من عبارة في تتر مسلسل الأطفال الأقدم والأشهر، والعمل المصري الأهم بالعرائس، وجد أبناء الثمانينيات والتسعينيات تسمية للعمل التليفزيوني المحبب لقلوبهم، فلم يكن اسمه عندهم «مسلسل العرائس بوجي وطمطم»، بل «بوجي وطمطم في رمضان»، إثباتًا وتثبيتًا لارتباط «بوجي وطمطم» وأصدقائهم في وجدان الجيل برمضان، لدرجة أصبح معها المسلسل على مدار أعوام، ناهزت الثماني عشرة، أحد علامات حلول شهر الصيام، وواحد من تفاصيله المهمة جدًا.
العمل الذي بدأ عام 1983 بفكرة من محمود رحمي، فنان العرائس الذي قرر استثمار نجاح عروسته الشهيرة «بقلظ»، وحولها لنص مكتوب الأخوين يسري وشوقي خميس، كان على قدر من الحظ لأن يتحمس فنان بموهبة صلاح جاهين لكتابة أغاني أول أجزاءه قبل أن يكرر نجله بهاء الأمر مع أجزاء أخرى، فيما كان صانعه «رحمي» وأبطاله على قدر من خصوبة الفكر والإخلاص لفكرة تقدم عمل أطفال مصري مكنهم من الاستمرار لأعوام، قدموا خلالها أفكار جديدة غرست قيمًا في نفوس الصغار والكبار، مهما اختلفت أسماء الأجزاء أو تنوعت بين «الفيل الجميل» و«أولاد القمر» و«بوجي وطمطم في رشيد» وغيرها.
ظلت مشاهدة «بوجي وطمطم» لأعوام قبل وقت قليل من انطلاق مدفع الإفطار بالنسبة لأطفال الثمانينيات والتسعينيات طقس رمضاني مقدس يتساوى في أهميته مع اللعب بالفانوس مع أولاد الجيران، وأصبح التفاعل مع أبطال العمل وتقليد الشخصيات مع الزملاء في «الفسحة المدرسية» من عادات جمهور من لحم ودم، لم يلتفت يومًا لأي فرق بينه وبين أبطال العمل «العرائس» التي كان لكل طفل، وقتها، فيه شبيهًا له أو لصديقه أو جاره، وحتى من لاحظ وأدرك فروقًا، رآها بسيطة لا تعكر صفو انسجامه مع العمل، وتعلقه به.
بدأت المحبة لـ«بوجي وطمطم» والتعلق به من نجاح صانعه «رحمي» في جذب انتباه الأطفال بشخصيات غير تقليدية تنوعت بين عرائس كالحيوانات وأخرى كالبشر على مستوى الشكل والأسماء تتفاعل مع أبطال بشريين بانسجام وتناغم، في معادلة نجح «رحمي» في تحقيقها بمساعدة في وقت ما في تصميم العرائس من زوجته فوقية خفاجي، لتصبح أسماء تلك العرائس فيما بعد وسيلة لتدليل أو مضايقة الأصدقاء، كما تحولت لأسماء للحيوانات المنزلية الأليفة.
أما أبطال العمل من الممثلين الذين اختفوا عن الكاميرات مفسحين المجال لخيال الأطفال ليربط أصواتهم بالعرائس، فنجحوا في أداء الأصوات بطريقة حفظها الأطفال من كثرة محاولاتهم تقليدها، خاصة فيما مثّل منها علامات مميزة للمسلسل مثل ضحكة طمطم الشهيرة «هاهاهاي هاي هاي» التي تميزت بها وبتشديد نطق حرف الراء هالة فاخر.
وقلد بعض آخر لهجة حديث «طنط شفيقة» التي خرجت بطبقة صوت مفخمة جدًا من حنجرة الفنانة أنعام سالوسة التي نجحت في تقديم طبقة عكسها هادئة جدًا في أدائها لصوت «ريري» العروسة الرقيقة خضراء الشعر، التي ظهر جانب من فلسفة «رحمي» في اختيار لون هذا الشعر ليبدو مناسبًا لهدوء شخصيتها وصوتها، على العكس من اختياره لشعر أصفر مجعد لنقيضتها العروسة المشاغبة «زيزي».
أحب الأطفال العمل لأنهم وجدوا كل شئ به تقريبًا غير منافي لعالمهم على مستوى الشخصيات والسلوكيات سلبًا وإيجابًا، فبين العرائس وُجِد الرزين والمشاغب والطيب والفضولي، لدرجة أن لقب «زيزي» ظل لفترة ليست قصيرة وسيلة الكبار، الذين تابعوا المسلسل كصغارهم، في وصف كل طفلة «غلباوية» مجادلة تهوى التكسير تمامًا مثل بطلة المسلسل التي دللها شخصياته وجمهوره بلقب «الفراشة زيزي».
المحبة لـ«بوجي وطمطم» والارتباط بهما الذي استمر ولم يقلل منه الانتقال لمرحلة المراهقة، جاء بعد أن تعامل معهما الجمهور وكأنهما بشريين، فقد كان لدى الشقيقان «بوجي» كثير الأخطاء و«طمطم» الرزينة ومثلهما الشقيقين «زيكو» و«زيزي» ما لدى كل الأطفال من «نقار الأخوات» وبنفس طريقتهم، وهو ما قدمه «رحمي» في العمل كما عكس شخصيات من حياة المصريين، كالنموذج المتواجد دائمًا في محيط كل العائلات المصرية تقريبًا متمثلاً في الثنائي «زيكو» و«زيكا» الرفيقين المتلازمين على اختلاف شخصيتيهما وكثرة شجاراتهما التي لم تفسد صداقتهما.
خلق «رحمي» على مستوى الكبار شخصية «شكشك» الملازم لنافذة بيته بحثًا عن أخبار الجيران، تلك الشخصية التي أحبها جمهور العمل على ما بها من سلبيات أبرزها العصبية والفضول، لدرجة استعانة بعض أبناء الثمانينيات وأهاليهم من وقتها باسم «شكشك» في وصف فرد الأسرة الملازم للبلكونة أو كل جار مهتم حد التطفل بكافة شؤون الشارع ومنزعج دائمًا من لعب الأطفال بالكرة فيه، والغريب أن «شكشك» على ما يبديه من شدة تظهر في تهديده الدائم لأطفال الجيران بالضرب بعبارته الشهيرة «هات العصاية يا ولد» كان ابنًا حنونًا وأحيانًا ضعيف الشخصية أمام والده المسن.
حالة التوحد مع المسلسل بلغت حد أن أحد من أطفال الثمانينيات والتسعينيات لم يناد العروسة «شفيقة» بلقب غير «طنط»، بعد أن جسدت نموذجًا لا يختفي من أي عائلة مصرية لكل «طنط» مسنّة يتجمع الكل عندها بحثًا عن حنان ودعم وفصل في المشكلات، لما يميزها من طيبة وحزم.
إلى جانب الغناء واللعب بفانوس تمامًا كالأطفال، كانت العرائس تتحدث بطريقة المصريين، فلا دوبلاج بلهجة أخرى أو ترجمة عربية في سطور سريعة، وكانت تتحدث في نفس ما يدور داخل أي بيت مصري، لهذا كانت هذه العرائس نفسها أحد أوائل مصادر الإلهام لأطفال ذلك الجيل وحافزه لاتباع قيم بدأت بالتحلي بصفات كالأمانة واحترام الكبير، وتطورت مع الأجزاء المتتابعة للمسلسل إلى الإرشاد لأهمية أمور كتعمير الصحراء والحفاظ على ماء النيل.
جيل الثمانينيات والتسعينيات لم ينجذب لمحاولة في 2009 لتقديم العمل بأصوات جديدة ولم يحفظ التتر من صوت مطربة شهيرة كما اعتاد في الطفولة حفظه بسهولة وبعد مرور أيام قليلة من شهر رمضان من أطفال غنوه أعوامًا مع «بوجي وطمطم»، هذا الجيل نفسه تساءل بعض منه ساخرًا في يوم قريب عن كيفية اقتناعه بأخوّة «بوجي» و«طمطم»، «القرد والأرنبة»، وأرجع ذلك لبراءة بلغت حد السذاجة ربما، لكنه منذ 20 عام تقريبًا لم يشك في أخوتهم أو أنهم شخصيات لها حياة حقيقية، صدقها وتوحد معها لدرجة أن أحداً منهم سأل أبويه يومًا «هو بابا وماما بتوع بوجي وطمطم فين؟»