x

أحمد الدريني وصية الفريق فوزي..للفريق صدقي! أحمد الدريني الأحد 29-06-2014 21:37


«كانت شماتة بأثر رجعي من العسكرية المصرية التي تكبرت وتجبرت على الناس وتدخلت فيما لا يعنيها..اتحاد كرة القدم..التحكم في أتوبيسات النقل العام..لجنة تصفية الإقطاع..الاعتقال السياسي مثلا»..بهذه الكلمات علق الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية الأسبق على النكات التي انطلقت ضد الجيش بعد يونيو 67.

مذكرات الفريق فوزي، شهادة تشريحية، لأسباب هزيمة الجيش المصري داخليا قبل أن تناله هزيمة مريرةُ على أرض المعركة في مواجهة العدو الصهيوني.

قراءة هذه المذكرات الآن ليس اجترارا للماضي الأليم بمقدار ما هي جرس إنذار ضروري لنا ولجيشنا.

فبتبرع الجيش بمبلغ مليار جنيه للدولة قبل أيام، ليصبح مجمل ما (تبرع) به منذ ثورة يناير إلى الآن قرابة 8.6 مليار جنيه، نجد أنفسنا وقد أصبحنا عرضة لما لا نحب جميعا، ونتوخى.

ويجد الواحد نفسه بحاجة للتأكيد على أنه لا يمانع من حيث الفكرة أن تساهم أي مؤسسة من مؤسسات الدولة في حل الورطة التي نعايشها، فالجيش في نهاية الحال مؤسسة مؤلفة من أبناء عمومتنا وجيراننا وإخوتنا، وليس مؤسسة نيوزلندية دخيلة، كي يتعامل الكثيرون معها بنفور غير مبرر.

غير أن «شكل» علاقة الجيش بالدولة هو المقلق فعلا.

توقعت أن يستعين الرئيس السيسي بالجيش لبسط نفوذه على مفاصل الدولة، وكان توقعي أن تحدث حالة توأمة بين الجيش وقطاعاته المتخصصة ونظائرها داخل الدولة، بحيث تستفيد «الدولة» من خبرات و«قدرات» الجيش.

وشخصيا، لا أرث حساسية شائعة في جيلي، من مد يد الجيش في إصلاح كوارث الواقع المصري.. ومنطقي في هذا أنه مؤسسة مسؤولة عن الحل كما أنه مسؤول عن المشكلة حين اندلعت وتفاقمت، بتقصير أو بصمت على فساد.

وأذهب إلى أن أي مؤسسة قادرة على المساهمة في الحل، يجب أن يتم استدعاؤها فورا، كانت هذه المؤسسة هي الجيش..أو حتى اتحاد الكرة.

الخطر يكمن في الشعرة الدقيقة الفاصلة بين أن يتم استدعاء الجيش للحياة العامة كجزء من المجتمع ككل يساهم في حل المشكلة، وبين أن نعسكر الدولة ونبسط نفوذ المؤسسة العسكرية فيما تدري ولا ما لا تدري وما تجيد وما لا تجيد.

وأجدني مضطرا للرجوع لمذكرات الفريق محمد فوزي، وزير الحربية الذي اضطلع بمهمة إعادة بناء القوات المسلحة داخليا في الفترة من 1967 حتى 1970، بعد هزيمة يونيو، إذ إن مذكراته بالأساس دليل حي على مدى التردي الذي ضرب في أطناب المؤسسة العسكرية المصرية خلال فترة المشير عامر حين تداخلت الاختصاصات وحين تم إطلاق يد الجيش مجتمعيا، دون حتى أن يتوازى هذا الإطلاق مع الاهتمام ببناء الجيش داخليا.

ورغم أن الزمان غير الزمان، في المعطيات جميعا، وفي الأهداف والمرامي..إلا أن تمثل أخطاء الماضي أمام أعيننا، عبرة ضرورية، إذا ما أردنا أن نعبر من هذه الفترة الحرجة وإذا ما أردنا أن نحافظ على جيشنا.

يقول الفريق فوزي في مذكراته (كما صدر قرار آخر بتبعية جهاز التعبئة العامة والإحصاء إلى وزير الحربية وعين على رأسه لواء من الجيش هو جمال عسكر. بالإضافة إلى ما سبق تم ارتباط بين وزير الحربية وكل من إدارة المخابرات العامة، ومباحث أمن الدولة، ووزارة الحكم المحلي لإتمام السيطرة العسكرية على المحافظات).

كما تم ارتباط قيادي وتنظيمي بين وزير الحربية وبين قطاعات كثيرة في الدولة بحجة الاستفادة من خبرات العسكريين بتعيينهم رؤساء مجالس إدارات وأعضاء في أغلب مؤسسات وشركات القطاع العام. وارتباط مع وزارة الخارجية بتعيين بعض سفراء في الخارج من الضباط..بالإضافة إلى ما سبق تم السيطرة على المدارس الثانوية والكليات والجامعات بتعيين قياجة الحرس الوطني في مهمة تدريب واحتواء الطلبة سياسيا).

وسوق هذه الشهادة التي قد تبدو بالغة الكآبة وتبدو ابنة عصر غير العصر الذي نحياه إلا أنها جرس التنبيه الضروري، الذي نؤكده على أنفسنا قبل أن تفرض علينا الظروف تذكره مرة أخرى.

ففي أحد حوارات الفريق أحمد شفيق مع المذيع أسامة كمال، قال شفيق إن هناك قطاعات داخل الجيش مناظرة لكل وزارات الدولة تقريبا، وأن هذه القطاعات تعمل ولديها خططها الخاصة، ثم بدا أن شفيق تردد بعد أن أدلى بهذه الشهادة وارتبك.

ولا يخفى إعجاب المشير السيسي بالمؤسسة العسكرية وحبه لها، الذي يبدو منفصلا عن كونه ابنا من أبنائه وجاء لسدة الرئاسة بفضل موقعه المتصرف فيها، ويكفي «شرود» عينيه ولها وتيما في حواره مع عيسى والحديدي حين قال (الجيش المصري ده حاجة عظيمة أوي).

وإذا كانت هناك دعاوى متواترة لإشراك الجيش في الحل، فإنها دعاوى في مقصدها السليم من حيث العنوان العريض. فأنا في نهاية المطاف أتمنى أن يكون مستشفى قصر العيني بنفس مستوى نظافة مستشفى كوبري القبة العسكري!

غير أن التفاصيل التي تتبع الإشراك المتحمس، والوقائع التي تترتب– إنسانيا ومجتمعيا- بعد نداءات الاستجداء، ستعيدنا جميعا بآلة الزمن إلى حيث اعتصرت الحسرة قلوب آبائنا وأجدادنا في يوم مشؤوم من يونيو 67.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية