أصبح زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، «داعش»، «أبو بكر البغدادي»، الذي حقق مقاتلوه مكاسب عسكرية سريعة في العراق، النجم الصاعد في عالم «الجهاد»، حتى أعلن التنظيم، الأحد، قيام «دولة الخلافة الإسلامية»، ومبايعة «البغدادي» كـ«خليفة جديد للمسلمين».
ويسيطر أبو بكر البغدادي على أجزاء كبيرة من شرق سوريا وغرب العراق وهي منطقة واسعة تمثل ملاذا للمقاتلين السنة عبر الحدود في الشرق الأوسط، مكنت تنظيم «داعش» من إعلان «دولة الخلافة»، بما أثار المخاوف في دول الجوار وبخاصة الخليجية منها، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والكويت.
ورغم ما يملكه من نفوذ وجائزة أمريكية قيمتها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه فلا يعرف سوى القليل عن «البغدادي»، الذي تجنب الأضواء حفاظا على سلامته.
وأشاد مقاتلون من تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي بات يعرف باسم «الدول الإسلامية»، ومنافسون للتنظيم، بـ«البغدادي» كمخطط استراتيجي نجح في استغلال الاضطرابات في سوريا، وضعف السلطة المركزية في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية ليقتطع أرضا جعل منها قاعدة له، وساعده في ذلك السياسات الطائفية التي اتبعها رئيس الوزراء العراقي، الشيعي، نوري المالكي.
وأثبتت الأحداث شدة وصلابة «البغدادي»، في القضاء على خصومه ولم يبد أي تردد في الانقلاب على حلفاء سابقين لتعزيز طموحه من أجل إقامة الدولة الإسلامية.
وخاض «البغدادي»، معارك مع أعدائه وهزمهم حتى الذين ينتمون لجماعات متشددة منافسة ويشاطرون تنظيم «الدولة الإسلامية» نهجه العقائدي، أما من يسقط أسيرا من مقاتلي المعارضة أو غير المقاتلين فعادة ما يقتل رميا بالرصاص أو بقطع الرأس، أو يصلب وتسجل مشاهد القتل في لقطات فيديو مروعة تبث الخوف والاشمئزاز في نفوس الخصوم.
وقال مقاتل غير سوري من مقاتلي التنظيم متحدثا من داخل سوريا: «باختصار بالنسبة للشيخ البغدادي كل دين له دولته ما عدا الإسلام، ويجب أن تكون له دولة ويجب فرضه، الأمر في غاية السهولة».
ووفقا للإعلان الأمريكي الذي يرصد مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه ويحمل صورة رجل بني العينين بوجه مستدير ولحية مشذبة وشعر قصير.
ولد «البغدادي» في مدينة سامراء العراقية 1971، وتقول مواقع جهادية إنه حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بجامعة بغداد، وبعد أعوام من القتال مع الجماعات التي تستلهم نهج تنظيم «القاعدة» أصبح زعيما لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» 2010.
وبعد ذلك بعام، انتهز «البغدادي»، فرصة اندلاع الانتفاضة ضد حكم الرئيس السوري، بشار الأسد، وأرسل أحد مساعديه إلى سوريا حتى يكون لتنظيم «القاعدة» موطئ قدم هناك.
وشكل مساعده أبو محمد الجولاني ما يعرف بـ«جبهة النصرة» التي تستلهم نهج «القاعدة»، وأعلنت عن نفسها سريعا بسلسلة من تفجيرات السيارات الملغومة، وأصبحت تعرف بأنها الأكثر تأثيرا بين مختلف القوى التي تقاتل «الأسد».
ولكن مع تزايد نفوذ «الجولاني» في سوريا، ورفضه فتوى بدمج قواته تحت قيادة «البغدادي»، الذي شن حربا على «جبهة النصرة» ما أدى إلى انفصاله عن تنظيم «القاعدة» بقيادة أيمن الظواهري، وبالنسبة لكثيرين من أنصار «البغدادي» فان هذا الانقسام لم يكن مفاجئا.
وقال المقاتل غير السوري من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»: «عندما قتل أسامة بن لادن، مؤسس «القاعدة»، على يد قوات أمريكية في باكستان، قبل3 أعوام، كان (البغدادي) الشخص الوحيد الذي لم يبايع (الظواهري)».
وأضاف: «كلفه الشيخ أسامة بن لادن بتأسيس الدولة، وكانت هذه خطته قبل أن يقتل (بن لادن)»
وعلى الرغم من أن أنصار البغدادي يعتقدون أن «الدولة الإسلامية» ستعيد أمجاد الإسلام أيام النبي محمد إلا أنهم يعتقدون أن «الظواهري» يخشى من أن تجمع «الجهاديين» في مكان واحد سيجعل هزيمتهم على يد الغرب أسهل.
ويقول مقاتلوه إن «البغدادي» لديه العديد من المفاجآت لأعدائه، وقال مؤيد آخر لـ«داعش» إنه« يملك إمكانيات يخفيها حتى يحين الوقت المناسب».
تجاهل «البغدادي» نداءات «الظواهري» لترك سوريا لـ«جبهة النصرة»، ووسع عملياته في شمال وشرق سوريا 2012 و2013، وفي بعض الأحيان اشتبكت «داعش» مع قوات «الأسد» لكنها في معظم الأوقات كانت تركز على طرد جماعات المعارضة الأخرى ومنها «جبهة النصرة».
ونتيجة لتعاملات «داعش» القاسية مع المواطنين السوريين أصبح له الكثير من الأعداء وبحلول نهاية 2013، شكلت «جبهة النصرة» تحالفا مع كتائب إسلامية أخرى للرد على «الدولة الإسلامية» ونجح هذا التحالف في إجبارها على التقهقر إلى معقلها على نهر الفرات في المنطقة المنتجة للنفط بشرق سوريا.
لكن تنظيم «الدولة الإسلامية» ازداد قوة ولم يضعف، ويسيطر مقاتلو «البغدادي» على مدينة الرقة، وهي العاصمة الإقليمية السورية الوحيدة، التي لا يسيطر «الأسد» على أي أجزاء منها، ويطبقون الشريعة الإسلامية.
وفي محافظة دير الزور المجاورة، شن تنظيم «داعش»، حملة على مدى 6 أسابيع ضد معارضين منافسين لقي خلالها 600 مقاتل حتفهم واستولى على حقول نفط وبلدات على الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات على بعد 100 كيلومتر من الحدود العراقية.
ويقول مقاتلون معارضون إن مبيعات النفط في السوق السوداء تدر عائدات بملايين الدولارات، وفي ظل وجود المقاتلين العراقيين والعتاد العسكري الذي تم الاستيلاء عليه بعد سيطرته على مدينة الموصل العراقية فإن «البغدادي» يملك الآن مجموعة كبيرة من الموارد.
ويقول مؤيدوه إن هذا أمر أساسي لتحقيق هدفه بالاكتفاء الذاتي العسكري وضمان تدفق الأموال والمقاتلين والأسلحة وإمدادات الطاقة.
وتتناقض قوة «البغدادي» الحقيقية الواضحة تناقضا صارخا مع «الظواهري»، المختبئ منذ أكثر من عقد، والذي يحاول أن يؤثر على الحركة الجهادية الدولية التي تنشط في معظمها بعيدا عن مخبئه، ويقول خصوم «البغدادي» إن نجمه في صعود وان نفوذه يتجاوز سوريا والعراق.
وقال أحد مقاتلي «جبهة النصرة» في مدينة حلب السورية: «يتمتع بشعبية بالغة بين الجهاديين، يرون فيه شخصا يخوض حرب الإسلام»، مضيفا بمرارة أن أنصاره «لا يرون مدى الضرر الذي يسببه»
وتابع: «(البغدادي) تلقى رسائل مبايعة من أفغانستان وباكستان، الشيخ (الظواهري) يحاول لكن أعتقد أن الآوان فات».
وأضاف أن «جبهة النصرة» ترى أن الإسلاميين في سوريا «دخلوا في حلقة من الدم لن يخرج منها أحد».
ويمثل «البغدادي» لأتباعه جيلا جديدا من المقاتلين الذين يعملون على تنفيذ المرحلة المقبلة من حلم ابن لادن وهو الانتقال من القاعدة إلى إقامة الدولة المتشددة.
وقال مقاتل سوري من «داعش» إن «الشيخ (البغدادي) والشيخ (أسامة) يشبهان بعضهما، كلاهما يتطلع للأمام، كلاهما يريد دولة إسلامية».
ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك إذ يقولون أن تشكيل «البغدادي» لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يجعل دور «الظواهري» في عملية «القاعدة» غير ذي قيمة.
وقال المقاتل الأجنبي للجماعة «(القاعدة) لم يعد موجودا، تم تشكيله ككقاعدة لـ(داعش) والآن أصبح لدينا ذلك، ينبغي على (الظواهري) أن يبايع الشيخ (البغدادي)».
وذكر جهادي آخر قال إنه مقرب من «البغدادي»: «(الظواهري) يتابع بلا حيلة ليرى إن كان البغدادي سيقترف خطأ».
وقال «إنه ينتظر ليرى إن كان (البغدادي) سينتصر أم سيسقط لكن في جميع الأحوال هو لم يعد قائدا».
ومن بين الاستراتيجيات التي ينتهجها «البغدادي»، فتح الباب للمقاتلين الأجانب ولا سيما الأوروبيين والأمريكيين حيث يوفر لهم التدريب والشعور بأن لهم هدفا.
وبينما يكون هؤلاء مفيدين في ساحة القتال السورية، فإنهم قد يعودون لبلادهم في يوم من الأيام وقد اكتسبوا خبرة القتال ليجندوا آخرين لتنفيذ هجمات لحساب البغدادي خارج الشرق الأوسط، وهو ما يسبب قلقا بالغا للدول الأوروبية ، وقد عكس هذا القلق تصريحات كبار الزعماء الغربيين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون.
ويتدرب هؤلاء بحيث لا يعرفون الخوف ولا الرحمة. ويقول نشطاء في عدد من المناطق داخل سوريا إن رجال «البغدادي» يتجولون وهم يرتدون أحزمة ناسفة.
وفي علامة على وحشيتهم أظهر مقطع فيديو مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بعضهم لا يتحدثون العربية، فيما يبدو وهم يعدمون عددا من الرجال، وكان رجلان يتلوان الشهادة أثناء إعدامهما.
ويقول بعض رجال الدين إن قتل أي شخص أثناء تلاوته الشهادة من المحرمات لكن رجال «البغدادي» يتعاملون بقاعدة بسيطة وهي أن من يقف في طريقهم يجب أن يباد بغض النظر عن دينه أو طائفته.
وعندما سئل عن مدى جدية «البغدادي» أجاب أحد أنصاره قائلا: «عندما يكون لديك جيشه وعزيمته وإيمانه فينبغي على العالم أن يخشاك»، وأضاف «إذا لم يخشى العالم (البغدادي) فهم حمقى، ولا يدرون ماذا سيحل بهم في المستقبل».