الأن فقط يمكن للإدارة الأمريكية أن تزهو دون إعلان بأنها حققت هدفها فى العراق. فالعراق انقسم أو بالدقة جرى اقتسامه إلى سنة وشيعة وأكراد. وأكاد أقول إن العراق الذى عرفناه قديماً ودرسناه فى حصص الجغرافيا قد انتهى، وأن التلاميذ فى السنوات القادمة قد يدرسون ثلاث دويلات طائفية حلت محل ما كان يسمى عراقاً.
وإذا كانت أمريكا قد كسبت الجولة وبشكل مفاجئ فإن الخاسر هم العراقيون أنفسهم الذين ما أرادوا أبداً أن ينتهى الأمر إلى هذا المنحدر. لكن الخاسر الأكبر هو الإسلام ذاته الدين والشريعة والفقه وكل التراث الإسلامى بخيره وشره، وباعتداله ووسطيته وحتى ببعض من تطرفوا فقها فى فهم هذه القضية أو تلك، كل هؤلاء خسروا. وبقى فقط هؤلاء الذين قالت عنهم الآية الكريمة «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً». [ونلاحظ أنهم يتخيلون أو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً] والذين قال عنهم الرسول «تحقر صلاةُ أحدكم إلى جانب صلاتهم. ويحقر صوم أحدكم إلى جانب صومهم وهم يقرأون القرآن ولا يجاوز تراقيهم» [أى حناجرهم] وقال أيضاً «سيخرج من أصل هذا الدين قوم يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». ويقول ابن عمر «الخوارج هم شر خلق الله فقد انطلقوا الى آيات نزلت فى الكفار فجعلوها على المؤمنين».
وهؤلاء هم الذين تصدوا لقيادة غضبة جماهير السنة ضد المالكى الذى مثل المجموع الشيعى فى العراق أسوأ تمثيل وباعهم وباع العراق كله إلى الأمريكيين والى سادته الإيرانيين وقد يتبدى ثمة تناقض فى الولاءين، لكن التقارب الامريكى الايرانى يحاول أن يخفى قدراً من فجاجته، والعراقيون الشيعة العاديون يجدون أنفسهم فريسة لوحشية داعش وغباء المالكى وربما ارتداؤه لثياب التعصب الشيعى كى يخفى المخطط المطلوب.
ويجدون أنفسهم بين شقى الرحى، وعراقهم قد ضاع وأن مصيرهم الى دويلة طائفية لم تكن لتأتيهم فى أى كابوس. أما المواطن السنى الذى غضب إلى حد ما من تشدد المالكى ونزعته الطائفية فهو يكتشف أن هذا النزوع لم يكن سوى غطاءٍ يستهدف تنفيذ المخطط. وفجأة وجد نفسه أمام عصابة مسلحة تسليحاً جيداً [هو لا يدرى من أين أتى] وترفع رايات سوداء تقول بها أنها إسلامية ويحقر صوم أحدهم أمام صوم وحوش داعش وصلاته أمام صلاة هذه الوحوش، وهم يقرأون القرآن.. ولا يعلم الإنسان العادى أنه لا يجاوز حناجرهم إلا عندما يتجسدون أمامه وحوشاً.
ثم يجد قطعان البعثيين القدامى ورجال عزة الدورى والنقشبندية وقادة من الجيش الرسمى كل هؤلاء يسيرون فى الموكب تحت راية هؤلاء الوحوش. ألم أقل إن الإسلام هو الخاسر؟ فلقد قضى المسلمون وخاصة السنة منهم سنين عديدة وهم يؤكدون التمايز بين الإسلام الصحيح وبين التأسلم، وتعالت تأكيدات المسلمين جميع بهذا التمايز بعد أحداث سبتمبر وما يكاد العالم يقترب من تصديقنا حتى تأتى داعش الشريرة لتهدم بتوحشها ما بناه المسلمون. ويبقى أن نحذر حلفاء داعش من المغرضين ومن حسنى النية الذين واجهوا المالكى بكل قوة متوحشة وهمجية ومنحوها شهادة زائفة بأنها تمثل الإسلام السنى أسألهم هل ستحتملون حكم داعش لولاية سنية عندما تتجسد وحشيتها فعلياً ضد كل رجل وامرأة ومثقف وفنان وعالم ومفكر.. وأقول للجميع احذروا.
وكونوا أداة توحيد لكل المواطنين العراقيين شيعة وسنة وكرداً وتركمان من أجل عراق موحد ديمقراطى ليبرالى مستقل ورافض للمخطط الأمريكى والإيرانى والتركى معاً. ويا أيها الأحرار والديمقراطيون توحدوا. وأنقذوا عراقكم. ولا تكونوا مطية لداعش الشريرة.