x

وحيد عبد المجيد قبل أن يصل «داعش» إلى مصر وحيد عبد المجيد الخميس 26-06-2014 21:58


يعتبر التنظيم الذى يسمى نفسه «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» والمعروف اختصاراً بـ «داعش» أخطر جماعات الإرهاب فى المنطقة الآن، بغض النظر عن تضخيم دوره فى الصراع العراقى الذى تفاقم فى الأسابيع الأخيرة. فهو يدشن مرحلة تطرف التطرف متجاوزا أقصى ما ذهب إليه تنظيم «القاعدة».

ويضع «داعش» مصر ضمن جدول أعماله، ويعتبر سيناء امتداداً للشام التى يهدف إلى جعلها- مع العراق- نواة «دولة الخلافة». ولذلك ينبغى الانتباه إلى خطره حتى إذا كانت قدراته أقل بكثير مما يظهر فى بعض وسائل الإعلام.

فقد نجحت حكومة نورى المالكى الأكثر طائفية فى العصر العربى الحديث برمته فى ترويج أنه هو الذى يسيطر منفردا على القسم الأكبر من مناطق شمال وغرب العراق لكى تجلب تعاطفاً معها وتغطى سياستها المذهبية الإقصائية التى وَّحدت القوى السياسية والمجتمعية فى تلك المناطق ضدها.

كان معظم هذه القوى مستعداً للوقوف مع حكومة المالكى ضد «داعش» فى نهاية العام الماضى إذا فتحت صفحة جديدة مع المناطق السُنية التى تمارس تمييزاً منهجياً ضدها.

غير أنه بدلاً من أن يعمل المالكى لجمع الشمل ضد الإرهاب، اتخذ المزيد من الإجراءات التمييزية وأطلق تصريحه الكارثى المتخلف الذى وصف فيه الهجوم الذى كانت قواته تستعد له فى منطقة الأنبار بأنه «فصل جديد فى حرب قديمة بين أتباع الحسين ويزيد»، فى إشارة إلى معركة شيعية – سُنية مضى عليها نحو 14 قرناً! فكانت النتيجة هى توحد القوى السياسية والمجتمعية ضد المالكى وقواته الطائفية، الأمر الذى أتاح لـ«داعش» فرصة تاريخية للتقرب تكتيكيا من القوى السياسية والمجتمعية السنية الرئيسية، وأهمها «المجلس العسكرى لثوار عشائر العراق» والمجالس التابعة له بأذرعها المسلحة، و«المجلس العام لثوار العراق» الذى يضم ميليشيات تناهض الطائفية وتطالب بدولة مدنية، «وجيش الطريقة النقشبندية» الذى يضم متصوفين منتمين إليها وأعدادا غير معروفة من أعضاء حزب البعث بدعم من عزة الدورى نائب صدام حسين.

ولا يمثل «داعش» على هذا النحو إلا رافداً واحداً فى القوى التى تتحرك فى معظمها من منطلقات وطنية تعتمد على خبرات ضباط جيش النظام السابق الذين تعرضوا لإذلال فظيع من أتباع المالكى. كما أنه ليس هو الرافد الأقوى فيها، بدليل أنه عندما هرب محافظا نينوى وصلاح الدين، اتفقت القوى الوطنية على تعيين محافظين جديدين فى إشارة إلى حرصهما على وحدة العراق، وأن تبقى هاتان المحافظتان جزءاً من الدولة. ولو كان «داعش» مسيطراً، لقام بفصل هاتين المحافظتين عن العراق فعلياً وتعيين أميرين تابعين لـ «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» عليهما كما يفعل فى المناطق التى يسيطر عليها فى سوريا.

ورغم هذا كله، ينبغى أن ننتبه جيداً إلى خطر «داعش» علينا، فى الوقت الذى يوجد فيه عدد غير معروف من المصريين الذين يقاتلون ضمن صفوفه وتنظيمات أخرى فى سوريا. وستكون عودة هؤلاء أخطر بكثير مما ترتب على ما عُرف فى التسعينات بـ«العائدين من أفغانستان».

ولا ننسى ما قاله عمر بكرى أحد قادة السلفية الجهادية فى لبنان ضمن مقابلة أجرتها معه «الوطن» الكويتية فى فبراير الماضى، وهو أن «داعش» يتطلع إلى مصر، ويعتبر سيناء جزءاً من بلاد لشام، وأنها ضمن خطته التى تشمل لبنان والأردن. ولا ننسى أن أحد أتباع أبوبكر البغدادى زعيم «داعش» اتصل مع عادل إبراهيم المشهور باسم «حبارة» وفقاً لما أفاد به فى التحقيقات معه قبل إحالته إلى القضاء حيث تجرى محاكمته الآن لضلوعه فى مذبحة رفح الثانية.

ولكى نقطع الطريق على «داعش»، وغيره من هذه الفصائل، أصبح ضرورياً وضع خطة قومية متكاملة لمواجهة الإرهاب لا تقتصر على الإجراءات الأمنية وتشمل سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية سعياً إلى وضع حد لانتشار التطرف الذى يتحول بعض من يقعوا فى أسره إلى العنف فى ظروف معينة.

ولا يقل أهمية ترشيد السياسة الأمنية التى توَّسع دائرة العداء عبر استهداف حركات ومنظمات مدنية وأطياف من الشباب الذى ينبغى استيعابه وليس استعداءه. فخير سبيل لمواجهة الإرهاب هو توسيع مظلة النظام السياسى ليشمل كل من يرغب فى العمل تحتها أو من خلالها، واستعادة الحيوية السياسية والحزبية، وتشجيع المجتمع المدنى وتوفير الأجواء الملائمة لازدهاره وليس فرض حصار عليه وتشويهه، وفتح أوسع الأبواب أمام حرية التعبير والنقد والإبداع وليس غلقها واحداً وراء الآخر.

وليتنا نستوعب دروس التاريخ التى يؤكد أحدها أنه كلما ارتفعت أصوات أصحاب الرأى والمبدعين، انحسرت أصوات التفجيرات. فأصوات الحرية حتى إذا اقترنت بشطط هنا أو هناك هى التى تُسكت صوت الإرهاب. ولا يستطيع أى جهاز أمن فى العالم، مهما كانت قدراته، أن يُسكت صوت الإرهاب إذا لم تتوفر الظروف الموضوعية التى تجعل الحركة ضد الإرهاب ظافرة وفى مقدمتها ارتفاع أصوات الحرية. فكلما ارتفعت هذه الأصوات، صار المجتمع مشاركاً بفاعلية فى مواجهة الإرهاب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية