x

حسن حنفي ذكرى يونيو 1967 حسن حنفي الأربعاء 25-06-2014 22:10


من الصعب سماع النغم الشاذ وسط الألحان. ومن الصعب لطم الخدود والأيادى مشغولة بالتصفيق. ومن الصعب إثارة الأحزان والتذكير بالمسيرات الجنائزية وسط الأفراح والأغانى والزغاريد والرقص فى الميادين. ومع ذلك العبرة بالتاريخ لا حدود لها. والتعلم من خبراته تعلم مستمر. فمازالت الناس تقرأ قصص الأنبياء لتأخذ العبرة منها «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً».

صحيح أن نصر أكتوبر 1973 محا الذكريات الأليمة، واستبدل بها ذكريات أخرى أكثر فرحاً، وتدفع إلى الثقة بالنفس. وقد حدث ذلك للشرف العسكرى الذى استرد كرامته من الهزيمة إلى النصر بعد ست سنوات، ومن اجتياز سهل للعدو لصحراء سيناء المفتوحة إلى الانقضاض على خط بارليف أكبر مانع عسكرى فى التاريخ يتجاوز خط ماجينو فى الحرب العالمية الثانية، وعبور قناة السويس، وشق الساتر الترابى بمدافع المياه، الإبداع العبقرى للفلاح المصرى الذى يعرف أثر المياه فى الطين. إنما مازالت آثار هزيمة يونيو 1967 لم تنحسر بعد على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، أى الجبهة الداخلية، الجبهة المدنية، بعد محو آثارها فى الجبهة الخارجية أى الجبهة العسكرية.

وفى التاريخ لا فرق بين الهزيمة والنصر. إذ إن معرفة أسباب الهزيمة هى التى تؤدى إلى معرفة إمكانيات النصر «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ». وفى جدل التاريخ لا تعارض بين السلب والإيجاب. السلب إيجاب سلبى. والإيجاب سلب إيجابى. فقد تعلم المسلمون مما حدث فى غزوة أُحد حماية ظهر الجيش. وفى غزوة حنين، عدم الاعتماد على الكثرة.

مازالت إسرائيل تبحث عن أسباب تقصيرها فى الدفاع عن خط بارليف ونجاح الجيش المصرى فى عبور قناة السويس. وكتبت عدة تقارير من لجان عسكرية متخصصة حتى تتعلم من هزيمة 1973. وقد فعلنا نحن نفس الشىء بتشكيل لجان عسكرية متخصصة لمعرفة أسباب هزيمة 1967.

كان الرد على هزيمة يونيو 1967 لا صلح ولا مفاوضة ولا اعتراف بإسرائيل، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ثم تحول ذلك كله بعد نصر أكتوبر 1973 إلى كامب ديفيد فى 1978 أو اتفاقية السلام فى 1979 وإلى مصر أولاً ثم الأردن أولاً لتبرير اتفاقية وادى عربة، ثم الكويت أولاً. وتحولت نظرية القومية للصراع العربى الإسرائيلى إلى نظرات قطرية. وتفكك العرب. وتخلوا عن معركتهم القومية. وانشغلت مصر بمقاومة الإرهاب فى سيناء، والجماعات الإرهابية فى وادى النيل. وتجزأ كل قطر عربى أو كاد من دول المواجهة فى سوريا ولبنان. والخطورة على مصر بين قبائل الصعيد أو أهل النوبة، ومن دول المساندة فى العراق والسودان واليمن والصومال وليبيا. ويتحول العرب إلى دويلات طائفية عرقية قبلية عشائرية. وتأخذ إسرائيل شرعية جديدة باسم الدولة اليهودية وسط السنة والشيعة والأكراد والعلويين والتركمان والأرمن والمسيحيين. وتجمع يهود العالم من كل الأجناس والملل إلى إسرائيل بينما العرب يهاجرون الأوطان إلى خارج بلادهم بحثاً عن الرزق أو هرباً من الحروب الأهلية الداخلية. إسرائيل دولة جاذبة ليهود العالم. والوطن العربى طارد للعرب إلى كل أنحاء العالم.

وينطبق الأمر على المقاومة الفلسطينية فتنقسم إلى فتح وحماس. لكل منهما قيادة ومنطقة جغرافية وسيادة. وتنتهى الزعامات الوطنية الأولى التى نشأت فى عصر القومية العربية. وتبدأ زعامات أخرى مثل النظم العربية مستعدة للصلح والمفاوضة إذا ما انسحبت إسرائيل إلى خطوط الرابع من يونيو، ومستعدة للتنازل عن حق العودة إلى يافا وحيفا وعكا وعسقلان وبئر سبع. ومع ذلك ترفض إسرائيل المبادرة العربية، السلام فى مقابل الانسحاب، بل وتزيد من وتيرة الاستيطان حتى لا تبقى أرض فلسطينية يمكن التفاوض عليها. وتصبح موقعة الكرامة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل فى 1968 مجرد ذكرى من الزمن الجميل تنتهى بصراع دموى بين المقاومة والنظام الأردنى بمذبحة سبتمبر 1970 التى راح ضحيتها عبدالناصر من إرهاق المصالحة.

وتعوّد العرب على التعامل مع إسرائيل سراً وعلانية. ولم تعد توصف بأنها العدو الإسرائيلى. وأصبح العدو جماعات الإرهاب والتكفيريين والسلفيين والقاعدة. العدو من داخلنا وليس خارجنا. والجهاد الأكبر هو جهاد النفس، والجهاد الأصغر هو جهاد العدو طبقاً للحديث الشهير «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر». وتزايدت مصائب العرب الاقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية. نخطف الفتيات لبيعهن كسبايا فى الأسواق. ونجلد ونرجم ونقطع الأطراف.

لم يكن الهدف من عدوان يونيو 1967 فقط هو احتلال الأرض، ما تبقى من فلسطين والقدس، واحتلال سيناء والجولان وتوسيع الجغرافيا الإسرائيلية حتى يمكن الدفاع عنها بدلاً من هذا الخصر الذى يتجاوز العشرين كيلومتراً فى وسطها ويقسمها قسمين. كان الهدف هو القضاء على حركة القومية العربية وتوحيد العرب خاصة مصر والشام بعد تجربة الجمهورية العربية المتحدة 1958-1961 أو اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا والعراق واليمن أو بين مصر وليبيا والسودان. كان الهدف هو القضاء على مركزية مصر ودورها القيادى للأمة العربية. وكان الهدف أخيراً القضاء على الدولة الوطنية التى تقوم على الربط بين الشعب والأرض وفى مقدمتها شعب فلسطين المهاجر أو فى المخيمات وأرضه المحتلة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية