يقول المفكر السياسى اللبنانى الكبير «رضوان السيد» معلقاً على تطور الأحداث المتسارع بعد 30 يونيو: «لنا فيما حدث فى مصر ولمصر درس ينبغى أن يكون واضحاً وألا تنساه بلاد الثورات العربية الأخيرة (الربيع العربى؟!) فى 25 يناير انطلق الشباب فى موجته الأولى الغلابة، وعندما تهددت الثورة بالتآكل أطلقوا الموجة الثانية فى 30 يونيو التى أسقطت إلى غير رجعة الحكم الأصولى الإخوانى الذى أصاب الدولة وهدد الدين».
ورضوان السيد مواليد جبل لبنان «1949»، تخرج فى الأزهر كلية أصول الدين، ثم حصل على الدكتوراه من ألمانيا 1977، وهو عالم ومفكر إسلامى وسياسى متخصص فى الدراسات القرآنية وفى موقف «الغرب» من ظواهر الإسلام المعاصر. اشتغل الدكتور رضوان فى تحقيق عدد كبير من كتب التراث، وفى ترجمة عدد من أعمدة كتب المستشرقين القدامى والحديثين: فترجم كتاباً أساسياً عن أحمد بن حنبل ومحنته، وترجم مؤخراً كتاب «بردة النبى» و«مفهوم الحرية فى الإسلام» وقدم قائمة طويلة من المؤلفات المهمة لعل من أهمها: الإسلام المعاصر، «الأمة والجماعة والسلطة»، وغيرها كثير مما يشكل مدرسة «أزهرية- لبنانية- ألمانية» فى الفكر الحديث الحر، القابض على دينه الإسلامى الطازج الحر المنفتح على العقل، وعلى التاريخ والجغرافيا، وتطورات العلم والسياسة.
«الاجتهاد» وهو اسم المجلة الفصلية التى ظل يصدرها لفترة فى بيروت: اجتهاده فى العلم والدين قد قذف- كما يقول الغزالى- فى قلبه نورا يستضىء به، خاصة عندما يتحدث فى أزمات السياسات والحركات التى تشكل صورة الإسلام حالياً، بالنسبة لأهله وللغرب، إلى جانب التدريس فى كثير من جامعات: أمريكا وإنجلترا، ويدرس الآن فى بيروت، ويشارك فى كل المؤتمرات والندوات الفكرية على امتداد العالم العربى، ويكتب بشكل شبه دائم فى جرائد: الحياة والشرق الأوسط، والشروق.
الخلاصة: أنه محاولة شجاعة لتقديم إسلام قوى حر مستنير غير ذلك الإسلام الذى يسيئون إليه كل ساعة.
صدر له مؤخراً كتاب يحمل عنوان: العرب والإيرانيون: العلاقات العربية الإيرانية فى الزمن الحاضر. وهو ست مقالات كتبها فى الفترة الممتدة من 1995 حتى 2014. يقول فى مقدمته لترجمة كتاب «بردة النبى»: الدين والسياسة فى إيران قبل الثورة وبعدها، «الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة فى مصر 2004»: وهو من تأليف أستاذ هارفارد الأمريكى اللبنانى الأصل «روى متحدة» أن العلاقة لم تعد «تشابكاً» بل تحولت إلى «اشتباك» بعد تاريخ حافل من تبادل القيم والمعارف والتأثر والتأثير الذى زان التاريخ الإسلامى وأغدق على المنطقة كلها أنواراً من الفن والفكر والفلسفة، مازالت رئة الثقافة الإسلامية التى تقاوم بها التعصب والاختناق.
يقول رضوان السيد:
المسلمون فى التاريخ يتكونون من ثلاث أمم كبرى: العرب والترك والإيرانيون، وقد غادر الأتراك بالقوة والإغراء، الواجبات والمسؤوليات، وانصرف العرب، «فى نظر الإيرانيين» للتحالف مع الولايات المتحدة عدو الإسلام وصديق إسرائيل، وها هى إيران تنفض عن كاهلها غبار «الشاه» وأمريكا، وتعود إلى حماية الإسلام والتشيّع، ومصالح إيران القومية فى الوقت نفسه!
تعيش السياسة الإيرانية على محاولة اللعب على هذه المتناقضات خاصة بعد أزمات الحرب الإيرانية العراقية، وأزمة السلاح النووى، وهبوط وصعود العلاقات الأمريكية الإيرانية. يواجه العرب محنة كبرى- مشرقاً ومغرباً، بين التدخلات الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية والتركية، ومحاولات جماعات الإسلام السياسى تضييع الانتماء والمصالح الاستراتيجية، بالاندفاع نحو أمريكا وروسيا تارة، ونحو تركيا وإيران تارة أخرى، وهكذا فلدينا مشكلتان: مشكلة فى علاقات الجوار والثقافة والتاريخ والمستقبل ومشكلة فى الوعى بالدين ووظائفه ومقتضياته الاجتماعية والسياسية.
بين السنة والشيعة تمايزات فى الاعتقاد والفقه ورؤية العالم، ولكن العلاقة لم تتوتر وتتحول إلى فتن وحروب إلا عندما كانت دفاعاً عن مصالح دول «العثمانيون قديماً، وصدام حسين حديثاً» ولم تكن الحروب دينية أو مذهبية. ثلاثة عوامل هى التى تحرك التوتر الكبير الحاصل فى الزمن المعاصر: الإحياء القومى، والإحياء الدينى، والسياسات الدولية المؤثرة على الجانبين.
فى الجزء الأول من الكتاب، يرصد المؤلف تطور الحركة الوطنية فى إيران ومصر كنموذج للعالم العربى، والتأثير المتبادل من أول الكواكبى حتى الأفغانى ومحمد عبده، وصولاً إلى بدايات حركة حسن البنا وفدائيان إسلام، وثورة مقاومة احتكار «التمباك» إلى تأميم البترول على يد مصدق ثم ثورة 52 فى مصر ومحاولة تمرد الإخوان 1964/1965 وإعدام سيد قطب هنا، وخروج الخومينى هناك حتى تأسيس الدولة فى 1979.
يذكرنا رضوان السيد فى نهاية كتابه بزيارة الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد للقاهرة ولقائه مع شيخ الأزهر الجليل الشيخ أحمد الطيب: الذى واجهه بصراحة قائلاً: إنه منزعج من الانقسام المتوسع بين السنة والشيعة، والناجم عن اضطهاد السنة فى إيران، وشتم الصحابة، وقمع عرب الأهواز، ونشر التشيع فى المجتمعات السنية، والتدخل فى شؤون دول الخليج العربى واليمن، والاشتراك الإيرانى مع الرئيس السورى فى قتل شعبه وكان رد نجاد مراوغاً كالعادة.. قال شيئاً من قبيل: «إن السنة شيعة لأنهم يحبون آل البيت. والشيعة سنة لأنهم يتبعون سنة النبى»!
■ ■ ■
يضم الكتاب قائمة نادرة بالمراجع الخاصة بإيران، والثورة الإيرانية، والعلاقة بين الشيعة والسنة على مدار التاريخ الإسلامى أما سياسياً فإن الدراسات الست توضح بالدليل القاطع أن التغيير الاجتماعى فى العالم العربى يقع خارج تناول حركات ما يسمى الإسلام السياسى، وأن الطريق إليه هو الدرس الأول الذى قدمته ثورة 25 يناير وموجتها الثانية 30 يونيو التى وضعت بعدها القوى الوطنية مع الجيش خارطة مستقبل تقود إلى: العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
العرب والإيرانيون. رضوان السيد. الدار العربية للعلوم: بيروت 2014