x

نبيل عمر إعدام أطفال الشوارع!! نبيل عمر الأحد 22-06-2014 21:11


يبدو أن اللغة العربية قد ضربها فيروس ما لخبط معانيها فى بعضها البعض، وأشاع قدرا من سوء الفهم بيننا، فإذا قيل لشخص خوفا عليه من العمى: لا تنظر إلى قرص الشمس فى عز الظهر أيام الصيف القائظ، قد يصرخ فينا: هذا رجل ينكر أفضال الشمس علينا من إنارة ودفء وتوازن وطاقة، وإذا قيل لسيدة إن النقاب ليس من الإسلام، فقد ترد عليك: طبعا سوف تكون مبسوطا لو خرجت للشارع بمايوه بكينى!

وقد قرأت المقال الملعون للدكتور نصار عبدالله مرات عدة، أفتش فيه سطرا سطرا عن تحريضه لنا على إعدام أطفال الشوارع للتخلص من مشكلاتهم، كما نتخلص بوحشية من الكلاب الضالة، فلم أعثر عليه، ووجدت تلميحات قد يفهم منها المتربص الذى لا يقرأ المقال وحدة واحدة بأنها تأييد مستتر لتجربة البرازيل فى التخلص من أطفال الشوارع بقتلهم، خاصة أن المقال بدا من أول سطوره كما لو أنه يتحدث عن أطفال الشوارع والحل البرازيلى لهم، فأغفل القراء والمنتقدون مغزى المقال عن الإرادة السياسية ومقاومة الفساد وعلاج الأزمة الاقتصادية وتغاضى الناس عن جريمة شنعاء وقاسية فى مقابل ذلك.

ولا أنكر أن بعض التلميحات قد تجر القارئ جرا إلى فكرة الإعدام، بالرغم من أن الدكتور نصار عبدالله استخدم كما هائلا من علامات التعجب معها، وعلامات التعجب لها وظيفة فى اللغة العربية، منها الاستنكار والاستغراب، ويبدو أن عددا كبيرا قد نسيها أو لم يعد يعرفها، ربما من سوء استعمالها عمالا على بطال فى كتابات هذه الأيام.

نعود للمقال وفيه فقرة حاكمة وصف فيها عمليات قتل الأطفال فى الشوارع بأنها «جريمة متكاملة الأركان، هؤلاء الأطفال فى حقيقة الأمر ضحايا لا جناة، وإن من البشاعة أن يعدموا بناء على جرائم لم يرتكبوها»، فهل هذه الأوصاف القاطعة بمثابة دعوة مستترة إلى أن نمضى على درب البرازيل وأن نرتكب جريمة متكاملة الأركان مثلها، ونعدم ببشاعة ضحايا لا ذنب لهم؟!

كيف يمكن لكاتب أن يصف أفعالا بصفات فى غاية القبح، ثم يدعو الناس إلى تَمَثُّلها والعمل بها؟!

كان نصار عبدالله يتحدث عن أوضاع اقتصادية سيئة للغاية فى البرازيل، بطالة وفساد وديون وليس لأطفال الشوارع دخل فيها، وحين لجأت الحكومة من وجهة نظره إلى حل هو جريمة متكاملة الأركان بقتل أطفال الشوارع، سكت المواطنون عن هذه القسوة المفرطة، لأنهم كانوا أصحاب مصلحة، بعد أن نجحت الحكومة فى التعامل مع الفساد والديون والبطالة وأمن الشوارع.

أى أن الناس يمكن أن تمضغ الزلط وتغض الطرف عن الجرائم الإنسانية إذا ما نجحت الإرادة السياسية فى حل مشكلات الناس اليومية حلا جيدا.

وقد لا تعجبنا هذه الفكرة، وقد نراها نازية وإرهابية وغير إنسانية، لكنها مجرد توصيف لما حدث فى البرازيل، كمن يكتب مقالا عن زواج الشواذ فى المجتمعات الغربية، فهل يمكن اعتباره دعوة لتقنين الشذوذ فى بلادنا؟!

ثم قال نصار عبدالله فى نهاية مقاله: إن نجاح الحل البرازيلى لا يعزى إلى القسوة، ولكن إلى توافر إرادة الإصلاح لدى القيادة السياسية البرازيلية التى حاربت الفساد بكل قوة والتى وفرت الملايين من فرص العمل للبرازيليين، واستطاعت من ثم أن تتحول من اقتصاد موشك على الإفلاس إلى واحد من أهم قوى نظم الاقتصاد العالمى، أى لم يكن إعدام أطفال الشوارع هو الحل.

وفى تصورى أن المقال أوضح، حتى لو سار فى دروب متعرجة لإيصال فكرته، وكاتب فى حجم نصار عبدالله لا يجب أن نقرأه فى عجالة كما نقرأ بوستات فيس بوك وتعليقات التوتر، ولا نعامله بالانطباعات التى ترتسم فى أذهاننا بسرعة حسب ثقافتنا أو فهمنا أو فائض العنف فى أنفسنا، ثم نسبه ونشتمه ونلعنه، ونطالب بمنعه من الكتابة، ورفته من الجامعة، وربما بإعدامه على طريقة الكلاب الضالة، هذا مجتمع مغلق على نفسه بلا نوافذ مفتوحة حتى لو دخلت منها رياح شديدة.

ربما قد نأخذ على الدكتور نصار أن أطفال الشوارع فى البرازيل لم يتعرضوا لحملة قتل منظمة من الحكومة، وإنما كانوا ضحايا لعصابات منظمة من أعضائها رجال بوليس فاسدين، وكانت هذه العصابات تتاجر فى الأعضاء البشرية، فكانوا يقتلون هؤلاء الأطفال ويسرقون أعضاءهم فى مستشفيات خاصة ويبيعونها للأثرياء، ويلقون بجثثهم فى الغابات القريبة، فكانت الشرطة تعثر على ما بين خمس إلى تسع جثث يوميا، ودامت هذه الجريمة بضع سنوات.

فمن فضلكم خذوا نفسا عميقا قبل الاتهامات والسب والقذف، فالبعض استغل الفرصة وحاول إعادتنا إلى رابعة والنهضة، من باب التشابه المستحيل!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية