أستعير تعبير المبدع الراحل العظيم صلاح جاهين «تأملات كاريكاتورية فى المسألة الـ......» بمناسبة إنشاء وزارة جديدة باسم «وزارة التخطيط الحضارى وتطوير العشوائيات»، وأول هذه التأملات الاعتقاد الذى أصبح شائعاً فى مصر فى العقود الماضية بأن الإدارة تغير الواقع، وأحدث الأمثلة على ذلك الاعتقاد بأن حل مشكلة الأحياء العشوائية بأن تكون لها وزارة بينما يمكن حلها حتى لو كانت إدارة صغيرة.
هناك عشرات الدراسات العلمية لحلول مشكلة العشوائيات فى العديد من المحافظات والوزارات، والمهم تنفيذها، وتوفير التمويل اللازم لذلك، وليس إنشاء وزارة تختص بحلها وأتذكر هنا بعض السينمائيين الذين طالبوا وربما لايزالون يطالبون بإنشاء وزارة للسينما لحل مشاكل السينما، وإذا تم اعتبار أن إنشاء الوزارات هو الطريق لحل المشاكل سوف تكون فى مصر ألف وزارة، وتدخل موسوعة الأرقام القياسية.
وثانى التأملات أن تسمى الوزارة الجديدة «التخطيط الحضارى» إلى جانب تطوير العشوائيات، بينما هناك جهاز عشوائى أنشئ فى غفلة من الزمن يسمى التنسيق الحضارى، وفى ظل وجوده تم هدم مئات الفيلات والقصور والمبانى التى لا تهدم إلا عندما يتعرض أى بلد لغزوات مثل الغزوات التترية التى حرقت بغداد فى العصور الغابرة.
إنه جهاز عشوائى، لأن هناك إدارات تقوم بنفس وظائفه فى كل محافظة من محافظات مصر. وكل ما هناك خداع الناس بعبارة كبيرة وفاخرة مثل «التنسيق الحضارى»، وإذا لم يكن هذا هو الإهدار للمال العام، فماذا يمكن أن يكون، وعلينا الآن أن ننتظر الصراع بين موظفى «التنسيق» وموظفى «التطوير»، فضلاً عن الصراع بينهم وبين موظفى المحافظات، والضحية الحضارة بمعناها الحقيقى.
وبنفس منطق إنشاء هذه الوزارة الجديدة، تم إلغاء وزارة الإعلام باعتبار أن هذا هو الطريق إلى حرية الإعلام، فكما أن إنشاء الوزارة المذكورة ليس الطريق إلى الحضارة، كذلك فإن إلغاء وزارة الإعلام ليس الطريق إلى الحرية. وكما أن حماية التراث المعمارى من مهام المحافظات، فإن حرية الإعلام من مهام نقابة الصحفيين إذا عادت وأصبحت نقابة بكل معنى الكلمة، ومن مهام نقابة المهن الإذاعية تحت التأسيس، وهذا اسمها العلمى، وليس نقابة الإعلاميين، ومرة أخرى الإدارة لا تغير الواقع.