بل وكتبت في تتويتة عابرة أن المقال ينضوي تحت سلسلة من الكتابات التي ظهرت مؤخرا لتروج لفاشية من نوع جديد.
وقد عدت لقراءته لإحساسي بعدم الارتياح من جراء قيام موقع المصري اليوم بحذفه بعد حملة غاضبة من قراء الصحيفة ومرتادي مواقع التواصل الجماهيري. ورغم انسياقي المبدأي وراء افتراض ان المقال يدعم حلا برازيليا لأطفال الشوارع بمعنى قتلهم وإبادتهم، إلا أنني لم أتذكر أن الكاتب قالها صراحة، وهو ما اعتبرته بداية نوعا من الالتفاف على المقصد المباشر لكاتبه.
وبعد إعادة القراءة وجدت أن هناك، للإنصاف، عددا من النقاط التي ربما تشي بأن المقال فهم على غير مرمى كاتبه، بل وبما يناقض محتواه. وقد ادهشني في البداية أن تظهر هذه الحالة من العدوانية للمقال وأن أكون أنا جزءا منها عن غير قصد.
ولا يسعني إلا أن أعزي الفهم الجماعي المبدأي الخاطيء إلى جملة من الأسباب منها عنوان المقال فكلمة "حل" في العربية لا تحمل نفس المعني الذي اكتسبته كلمة solution في الأدبيات الغربية بسبب ارتباطها بعمليات إبادة عرقية. إضف إلى ذلك أن حالة من الفزع الجماعي تعترينا جميعا، خوفا من فاشية روج لها بعض الكتاب.
ويتحمل الكاتب الدكتور نصار بعضا من اللوم لأنه استخدم تعبيرات: الحل البرازيلي، الخيار البرازيلي، التجربة البرازيلية بشكل دفع القاريء للتعامل معها باعتبارها مترادفات رغم أنه كان يتحدث في كل مرة عن معنى مختلف وكذا استخدامه لكلمة "حل" في العنوان، وهو ما أوصل الغالبية لقناعة بأنه يروج ل"الحل" وليس للتجربة.
أغلب من قرأوا المقال فهموه، من خلال المتوالية الذهنية التالية:
١- العنوان: أطفال الشوارع - الحل البرازيلي ٢
٢- الكاتب إذن يريد أن يقترح حلا لمشكلة اطفال الشوارع في مصر
٣- هو يقول إن البرازيل قتلت أطفال الشوارع
- إذن الكاتب يريد من مصر أن تقتل أطفال الشوارع مثلما فعلت البرازيل
هذا هو السياق الذي فهمه أغلبنا ولكن المقال نفسه قد لا يكون داعما لهذا السياق المفترض، والذي يدفعك العنوان، ومخاوفنا، لاستنتاجه.
- بداية لا توجد فقرة واحدة في المقال يمكن أن تستنتج منها أن الكاتب ينادي بالقتل كعلاج لمشكلة أطفال الشوارع.
- ويفهم من الفقرة التالية استهجانه لما لجأت إليه قوات الأمن البرازيلية:
"جأت أجهزة الأمن البرازيلية فى ذلك الوقت إلى حل بالغ القسوة والفظاعة لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع يتمثل فى شن حملات موسعة للاصطياد والتطهير تم من خلالها إعدام الآلاف منهم (أطفال الشوارع) بنفس الطريقة التى يجرى بها إعدام الكلاب الضالة"
- ويعود الكاتب ليقرر أن ما قامت به قوات الأمن لم يحل المشكلة. الأطفال المشردون اختفوا من الشوارع الرئيسية ولجأ من بقى منهم على قيد الحياة إلى العشوائيات:
"وهكذا أفلح الحل البرازيلى فى تخليص الشوارع الرئيسية للمدن الكبرى من أطفال الشوارع ودفع من تبقى منهم إلى الانسحاب للمناطق العشوائية،"
- بل ونرى في المقال أن الكاتب لا يعزي نجاح البرازيل لقسوة خيار الإبادة، ولكنه يرى أن السبب في نجاحها كان إرادة محاربة الفساد، وتوفير فرص العمل باعتبارها الطريق الذي مهد للتفوق وليس لأنهم قتلوا الأطفال:
"غير أن هذا النجاح لا يعزى إلى القسوة التى انطوى عليها الخيار البرازيلى، ولكنه يعزى أولا وقبل كل شىء إلى توافر إرادة الإصلاح لدى القيادة السياسية البرازيلية التى حاربت الفساد، والتى وفرت الملايين من فرص العمل للبرازيليين، وهذا هو الدرس"
بعد القراءة المتأنية، يبدو لي أنني شخصيا تسرعت في الحكم على المقال، وأعتذر.
بل ويمكن أن أقرر بأنه يتحدث عن خطورة اعتماد الحل الأمني بشكل عام، وليس فقط فيما يتعلق بأطفال شوارع القاهرة. فهو يقول بوضوح إن الحل الأمني المبني على الإقصاء وافتراض القدرة على الإبادة قد يدفع من "تحاربهم" إلى الجحور، إلا أنه لن يفنيهم.
وينتهي باستنتاج إلى أن النجاح سبيله الوحيد هو مكافحة الفساد وحل مشكلة البطالة.
من السهل أن أنضم لكتيبة المدافعين عن الديمقراطية، والحانقين على المقال وكاتبه الذي أقرأ له لأول مرة. ولكن الحق أحق بأن يتبع.
هذا في الواقع مقال مناهض للفاشية وليس داعيا لها.
اقرأ أيضا:
العجلة من الشيطان، إلا إذا..!
حذاء مرسي.. مرشح اللحظة الأخيرة
إعدمهم يا سيسي لو سمحت، أقصد إبراهيم ولميس!
إعلام ريهام - مذيعة أبهرت العالم
بالتوفيق أيها الشعب الداهية
حوار مع خروفي الملحد
[email protected]