ذكرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أن أزمة الوقود التي يعانيها اليمن حاليًا تثير المخاوف من سعي النظام السياسي القديم لاستغلال حالة الفوضى وعدم الاستقرار للعودة إلى السلطة مجددًا.
وكان رجال قبائل في محافظة مأرب اليمينة هاجموا، في 10 يونيو الحالي، محطة لتوليد الكهرباء، تزود العاصمة صنعاء بالجزء الأكبر من احتياجاتها من الطاقة الكهربية، ليغرقوا المدينة في ظلام دامس. وبعد ذلك بيوم، ومع نفاد الوقود في مولدات الكهرباء، طغت على الشارع اليمني حالة من الإحباط والتذمر إزاء الوضع الأمني والاقتصادي المتدهور. وأغلقت مجموعات من الشباب الشوارع الجانبية الصغيرة أولًا، ثم الطرق الرئيسية في صنعاء بحواجز من الإطارات المشتعلة، في حين عمدت قوات مكافحة الشغب إلى إطلاق الرصاص الحي فوق رؤوس المتظاهرين في ساحة التحرير، بوسط صنعاء.
وتقول «فورين بوليسي» إن الشهور القليلة الماضية أثارت ذكريات عام 2011 السيئة لدى الكثير من اليمنيين. فحينها، غذّى الاقتتال بين الحلفاء السابقين في نظام الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح المخاوف من تمزيق أوصال البلاد، فيما عانى الاقتصاد حالة من الركود التام، إذ تضاءلت إمدادات الكهرباء والوقود والمياه، في مقابل زيادة ملحوظة في الأسعار، بينما ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 50%. وبـ3 سنوات، تعاني حاليًا إمدادات الكهرباء حالة من عدم الانتظام. ففي بعض أجزاء من المدينة، تومض الأضواء لبضع دقائق قبل أن تنقطع الخدمة مرة أخرى، في الوقت الذي تضاعفت فيه أسعار الوقود في السوق السوداء، وكذلك سعر إمدادات المياه غير الحكومية.
ويشهد اليمن حاليًا أيضًا وضعًا أمنيًّا غير مستقر، إذ يخوض الجيش حملتين حاسمتين، ضد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في الجنوب، وضد التمرد «الحوثي» في الشمال، بينما تشكل عمليات الاغتيال والخطف والهجمات الإرهابية حدثًا شبه يومي في جميع أنحاء البلاد.
ولفتت «فورين بوليسي» إلى حالة التناقض في الشارع اليمني بين 2011 و2014، قائلة إنه في 2011 دعا المتظاهرون إلى إسقاط نظام عبدالله صالح، في حين طالب محتجون في 11 يونيو الحالي بإعادة النظام القديم في اليمن، وبتنحي الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي. وأفادت المجلة بأن البعض أطلق أنشودة تحمل اسم «سلام الله على عفاش»، في إشارة إلى لقب الرئيس السابق صالح، والذي يستخدم للإشارة إلى «أصله المتواضع ومكانته كرجل من الشعب».
ورأت «فورين بوليسي» أن الاضطرابات الجديدة قد تخلّف تعثرًا مفاجئًا في المسار السياسي الانتقالي في البلاد، ونسبت لأحد المراقبين وصفه للوضع في اليمن، بأنه «عام 2011.. ولكن في الاتجاه المعاكس». وتوضح «فورين بوليسي» أن معسكر هادي يرى الأزمة الراهنة على أنها محاولة مدبرة بعناية لإسقاط الرئيس، الذي خلف صالح رسميًّا عبر انتخابات «الرجل الواحد» في فبراير 2012، وتعطيل عملية التحول السياسي المدعومة دوليًا في اليمن.
ويقول مقربون من هادي إنه مقتنع بأن جماعات مرتبطة بصالح هي من يقف وراء الهجمات على خط أنابيب تصدير النفط الحيوي ومحطة توليد الكهرباء في مأرب، وهو رأي يدعمه المسؤولون في شركة النفط الحكومية التي تدير خط الأنابيب.
ونقلت المجلة الأمريكية عن مستشار رئاسي بارز، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله: «ليس هناك شك في أن ما حدث في 11 يونيو كان إعدادًا لانقلاب. وتم تنظيم ذلك من قبل مجموعة محددة داخل دائرة صالح». ووفقًا للمستشار، فإن هذه المجموعة دفعت المتظاهرين إلى صنعاء في الليلة التي سبقت الاحتجاجات ووزعت عليهم الإطارات المستعملة لإعداد الحواجز في نقاط استراتيجية في جميع أنحاء المدينة، كما طبعت آلاف اللافتات التي تحمل وجه صالح، استعدادًا لما أملت في أن يصبح حركة احتجاج ضخمة.
وأشارت «فورين بوليسي» إلى أن حدة الاحتجاجات في اليمن خفّت في الوقت الراهن على الأقل، لكنها ذكرت أن قدرة هادي المحدودة على وقف الهجمات أو تضييق النطاق على معسكر صالح تؤكد هشاشة موقفه. وأضافت أن الحقيقة الواضحة اليوم هي أنه بعد عامين ونصف العام على موافقة صالح على التنحي، لم يشهد اليمنيون أكثر من تحسن طفيف في حياتهم، الأمر الذي جعل البعض يتوق لأيام ما قبل «الربيع العربي».
ونقلت المجلة عن أحمد (23عامًا)، أحد المحتجين الذين خرجوا في 11 يونيو، قوله: «شاركت في الاحتجاجات عام 2011، والآن أنا لا أريد عودة صالح، ولكن نحن بحاجة إلى شخص مثله.. شخص قوي».