لا أعرف إذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يشاهد مباريات المونديال البرازيلى أم لا تسمح له شواغله وهمومه والتزاماته بذلك.. ولكننى أتمنى أن يجد الرئيس وقتا لمتابعة هذا المونديال.. لا أدعوه لذلك كمجرد مواطن مصرى بقصد إغرائه بالاستمتاع بما يقدمه المونديال من متعة كروية.. وإنما أريده أن يبقى رئيسا لمصر ويشاهد المونديال كرئيس لمصر.. فهناك دروس أخرى كثيرة جدا نحتاج كلنا لتعلمها من هذا المونديال أهم وأعمق من مجرد الفرجة على كرة القدم.. حيث يمكن للرئيس أن يشاهد المنتخبات الكبرى.. الأكثر قوة وتفوقا واستقرارا.. وسيكتشف أنها جميعها لا تضم لاعبا واحدا جاء بالوساطة أو المجاملة..
فلا أحد هناك يلعب لأنه صديق شخصى لمدرب أو مسؤول.. أو لأن الإعلام فى بلاده يتغنى به، سواء بعفوية أو مع سبق إصرار وتعمد.. وبالتأكيد لا يصل أحد منهم إلى مكانه ومكانته بمحض المصادفة، أو لأنهم فى الفريق لم يجدوا غيره أو اضطروا للاستعانة به بعد نفاد وقت وفرصة التدقيق فى الاختيار.. ولا يبقى يلعب لأى من تلك المنتخبات من انتهى زمنه وأدى ما عليه وحان أوان انصرافه.. لا أحد يبقى بعد أوانه مهما كان ماضيه جميلا وعطاؤه فى السابق كبيرا ولامعا.. فهو بالتأكيد حصل على مقابل ذلك ماديا ومعنويا، وأى دولة متحضرة أو منتخب راق ليسا مطالبين بسداد فواتير ماضى أى أحد مهما كان.. فى هذا المونديال أيضا سيشاهد الرئيس السيسى كل النجوم الكبار الذين يحترمهم ويحبهم العالم كله.. فلأن هؤلاء إما ولدوا فى بلدان متحضرة أصلا أو هاجروا إليها فى طفولتهم..
فقد استمتعوا بعدالة تلك البلدان فيما يخص المواهب.. فأحد معايير التحضر التى لا ينتبه إليها الكثيرون فى مصر هو قانون الموهبة.. فالمواهب هناك تنفتح لها الأبواب دون أى حدود أو حسابات أو أهواء.. وفى المقابل مواهب كثيرة فى مصر تموت لأن الأولوية فيها ليست للموهبة.. ولأن مصر لاتزال مثل بقية بلدان العالم الثالث تستأثر فيها بالأضواء والنجاحات دوائر الأصدقاء والمقربين والمحظوظين وليس الموهوبين.. وأظن أننا لو جمعنا كل موهوبى المونديال والتمثيل والأدب والموسيقى فى الغرب وتخيلنا بدايتهم من جديد لحياتهم فى مصر فلن ينجح تسعون بالمائة منهم فى تحقيق أى شىء هنا مما حققوه هناك.. وهذه هى مشكلتنا الحقيقية والأساسية والأولى أيضا وليست الاقتصاد أو الأمن أو الزحام..
وأتمنى أخيرا أن يشاهد الرئيس أيضا ما خلف مباريات هذا المونديال ولمعان نجومها، ليرى على الطبيعة مأزق ديلما روسيف، رئيسة البرازيل، التى تخيلت أن بهجة ومتعة كرة القدم ومونديالها يمكن أن تصلح بديلاً للبرازيليين الفقراء عن حاجياتهم الحياتية الأساسية.. ودموع روسيف وهى ترى حزن الناس وغضبهم دليل واضح للعالم كله يؤكد للجميع أن حفلات الدنيا ومهرجاناتها وبطولاتها لن تغنى الناس أو تنسيهم مطالبهم الأساسية أو تشغلهم عن ضرورة محاربة الفساد والظلم.