ما من امرأة مصرية لم تتعرض في صباها للتحرش، فالتحرش بالنساء عادة قديمة بدأت مع خروج المرأة من قوقعة التقاليد إلى رحابة الحياة العامة. وقد صورت السينما المصرية ظاهرة التحرش أو المعاكسة كما كان يطلق عليها في بعض الأفلام. ولكن معاكسة زمان كانت تختلف تماماً عن قذارة وسفالة تحرش هذه الأيام، فما الذي جرّأ الصبية والعواطلية على انتهاك عرض الفتيات والنساء بهذه الوقاحة؟ ذكرنى حادث التحرش بفتاة في ميدان التحرير بجريمة مشابهة حدثت في العتبة، مساء الخميس، 19 مارس 1993، والذى هز ضمائرنا بشدة، وتجاهله المسؤولون، بل صرح وزير الداخلية في ذلك الوقت بأنه حادث عادى. يومها كتبت في عمود ساخر كنت أحرره في مجلة روزاليوسف وأسميه «فضفضة»: إننى أخالف وبشدة المواطنين الذين ثاروا ورفضوا تعليقات السيد وزير الداخلية في مجلس الشعب عن حادث فتاة العتبة، فالرجل كان صادقاً في وصف الواقع المصرى اليوم. لقد أصبح شيئاً عادياً جداً أن تُمتهن كرامة المرأة المصرية علناً في أعمدة بعض كتاب الصحف وخطب بعض الدعاة ومطالب بعض ممثلى الشعب في المجالس المنتخبة». كان هذا حال المرأة المصرية منذ ربع قرن والمؤسف ألا يتغير بعد ثورتين كبيرتين بل يزيد سوءًا. بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أصبحت الفتاة المصرية يُنتهك عرضها في أقسام الشرطة ومعسكرات الجيش (كشوف العذرية)، وفى ميدان التحرير (الاغتصاب الجماعى). وأصبح بعض الرجال يتفرجون «بنطاعة» على مشهد فتاة يهتك عرضها مجموعة من الصبية وسط ميدان متسع وفى يوم احتفال المصريين بمناسبة تاريخية عظيمة، في مشهد يجب أن يؤرق ضمير كل مصرى ومصرية لسنوات طويلة. فهل ماتت الضمائر وتعفنت نفوس الرجال إلى حد فقدان النخوة وانعدام الرجولة بسبب تلك الفتاوى «العجب»، التي تنهمر فوق رؤوس المسلمين لتبعدهم عن جوهر دينهم وتلقى بهم إلى أتون الحيرة والضياع. عندما يفتى من يوصف بنائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، ويلقب بالشيخ، بأن الزوج إذا ما تعرضت زوجته للاغتصاب ووجد أن دفاعه عنها سيهدد حياته «يجوز» له أن يترك المسكينة نهباً للوحش البشرى ويفر بجلده!! يا إلهى!! هل وصلت استهانة السلفيين بشرف وكرامة وعرض نسائهم إلى هذا الحد؟ أي سلف يسمح بهذا الجبن المشين؟ ألم يسمعوا عن الحديث الشريف (من قتل دون عرضه فهو شهيد). أما دفاع المتحدث باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية فلم ينفِ الفتوى!! كيف نستغرب إذن أن يستهين الصبية العاطلون بنساء مصر؟
بعد كل ماقيل حول جرائم التحرش الجنسى في مصر وبعد التعديلات لأحكام قانون العقوبات الخاص بتلك الجريمة ومضاعفة العقاب من عام واحد لعامين، يمكن زيادتهما إلى 5 سنوات والغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألفاً يمكن أن تزيد إلى 50 ألف جنيه، أؤكد أننا ما زلنا أبعد مانكون عن التوصل إلى حل جذرى للجريمة.
إن الحل لن يتم بفرض المزيد من القوانين أو تغليظ العقوبة، ولكن الظاهرة ستختفى تدريجياً وربما تنتهى تماماً إذا ما ردت الدولة للمرأة اعتبارها وصححت كل الأوضاع التي تجعل منها مواطناً من الدرجة الثانية، إذا ما رأى الناس المرأة وزيرة للمالية أوللداخلية أو التربية والتعليم أو الدفاع.. إلخ، بدلا من الوزارتين اللتين توضع فيهما ذراً للرماد في العيون. ولا شك أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى والسيدة قرينته للفتاة المعتدى عليها في ميدان التحرير كانت الخطوة الصحيحة المطلوبة لبدء عصر جديد من الكرامة لكل المصريين.