هناك العديد من التفسيرات للسياسة الأمريكية تجاه مصر والتى ينبع معظمها من نظرية المؤامرة، إلا أن هناك تفسيرا آخر لا يقل أهمية، ويرتبط بشكل أساسى بالجهل وانعدام الرؤية في التعامل مع مصر. التفسير الأخير يظهر بوضوح في الكتاب الجديد لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون، الذي صدر في الأسبوع الماضى ويحمل عنوان «خيارات صعبة» ويتضمن مذكراتها الشخصية في الفترة الأولى لرئاسة أوباما.
الكتاب يتناول العديد من القضايا الدولية، منها الشأن المصرى، الذي تتحدث عنه باستفاضة في الفصل الخامس عشر، الذي يحمل عنوان الربيع العربى. في هذا الفصل ترسم هيلارى صورة لإدارة أمريكية منقسمة ومتخبطة وغير قادرة على فهم ما يحدث في مصر أثناء أحداث 25 يناير 2011 وما بعدها.
فمن ناحية، هناك هيلارى الحائرة التي تطرح مجموعة من الأسئلة دون أن تقدم إجابات عنها، ومنها: كيف تستطيع الولايات المتحدة الموازنة بين مصالحها الاستراتيجية في مصر ومساندة القيم الديمقراطية، وما هو تأثير تأييد الولايات المتحدة لرحيل مبارك على هذه المصالح وعلى مصداقيتها بين حلفائها في المنطقة، وماذا لو رحل مبارك وجاء بعده حاكم أقل ديمقراطية وأكثر عداء للمصالح الأمريكية، وماذا لو حدث في مصر أمر مشابه لما حدث في إيران عام 1979 عندما اختطف المتطرفون الثورة الشعبية ضد الشاه وأقاموا دولة دينية، وماذا يعنى الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، وأى جانب هو الجانب الصحيح؟ أسئلة ومعضلات لا تطرح هيلارى حلولا بشأنها.
على الجانب الآخر هناك الرئيس أوباما الذي يجهل حقائق مصر والمنطقة، ويحيط نفسه بمجموعة من المساعدين الشباب في البيت الأبيض من عديمى الخبرة، وأصحاب الأفكار المثالية البعيدة عن الواقع، والذين تأثروا بشكل أساسى بما تنقله شاشات التليفزيون عن الأحداث في مصر، وانحاز أوباما لوجهات نظرهم وضرب بعرض الحائط بنصائح نائبه ووزيرة خارجيته ووزير دفاعه ومستشاره للأمن القومى الذين طالبوه بالتروى والحكمة في التعامل مع الموقف في مصر. وخرج أوباما في 1 فبراير 2011 ليعلن ضرورة الانتقال الفورى للسلطة في مصر.
الهدف من التذكرة بهذه الأحداث التي جاءت في كتاب هيلارى كلينتون هو التأكيد على أن الجهل مازال هو سيد الموقف في إدارة أوباما، التي تفتقد القدرة على القراءة الصحيحة للأحداث في مصر، ولا تملك الرؤية للتعامل معها. وعلينا ألا نخجل من تذكرتها بذلك وأننا أدرى بشعاب بلدنا. وما قاله مبارك لأوباما في محادثتهما التليفونية في 1 فبراير 2011 من أنه لا يفهم مصر والثقافة المصرية، هو ما يردده الآن قادة الحزب الجمهورى في الولايات المتحدة، ولا يقتصر الأمر على مصر بل يتهمون أوباما بعدم فهم قضايا الأمن القومى وتبنى سياسة خارجية فاشلة.
خارج الموضوع: خالص العزاء لأسرة الكاتب الصحفى الكبير عبدالله كمال وقرائه. برحيله فقدت مصر واحدا من أكثر الموهوبين من أبناء جيله، والأكثر إيمانا بقدرات هذا الجيل في إصلاح الوطن.
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة