x

الدكتور مصطفى النجار تقنين البغاء هل يمنع التحرش والاغتصاب؟ الدكتور مصطفى النجار السبت 14-06-2014 21:38


عقب حادثة الاغتصاب المروعة التى شهدها ميدان التحرير– ميدان الثورة سابقا- خلال الاحتفالات بتنصيب السيسى رئيسا اكتشف الجميع أن الاعتداء لم يكن تجاه حالة واحدة، حيث قال المتحدث باسم هيئة الطب الشرعى فى تصريحات منشورة (إن الإصابات بضحيات التحرش يوم الاحتفال بتنصيب المشير عبدالفتاح السيسي، لم تصل إلى حد الاغتصاب ولكنها تتفق مع جريمة هتك العرض، وأضاف أنه تم فحص 7 حالات تعرضت إلى التحرش بميدان التحرير وأشار إلى أن جميع الإصابات تندرج تحت جريمة هتك العرض، موضحًا أنه تم الانتهاء من كتابة تقارير السبع حالات بتوصية من رئاسة الجمهورية التي تتابع تطورات القضية أولا بأول).

الفيديو الكارثى الذى تم تداوله للحادثة، والذى تورطت بعض وسائل الإعلام فى نشره مع صفحات التواصل الاجتماعى، يؤرخ لمرحلة بائسة من تاريخ مصر، تخبرنا أن مشاكلنا ليست سياسية فحسب بل إن مأساتنا الاجتماعية أشد خطورة، وهذا المشهد يلخص ما وصلنا إليه من تردٍ بالتوازى مع التعامل المتخلف والغير مفهوم من بعض الإعلاميين مع الحادثة، وكذلك بعض المحسوبين على المجتمع الحقوقى من الموالين للسلطة، والذين أسرعوا لتسييس الواقعة ومحاولة توظيفها سياسيا بشكل مقزز.

وارتفعت بعض الأصوات التى طرحت بجرأة النقاش حول تقنين الحريات الجنسية والعودة للمرحلة التى كان البغاء مباحا فى مصر فى أوائل القرن العشرين ويعتبر مهنة تلزم الدولة من يمارسها بالحصول على ترخيص حكومى، وتقوم بالكشف الطبى الدورى على النساء الممتهنات للبغاء حرصا على عدم تفشى الأمراض ووثقت عدد من الأفلام السينمائية هذه المرحلة من تاريخ مصر كما هو معلوم.

السؤال المقابل لمن طرحوا هذا الطرح بعيدا عن الأطر الدينية والأخلاقية والأعراف المجتمعية التى صارت تحكم المجتمع المصرى، هل تقنين البغاء وتشريعه بالقانون يحل مشكلة التحرش الجنسى وينهى حالات الاغتصاب والاعتداء الجسدى على النساء؟

يقول علماء النفس إن التحرش هو مرض نفسى قبل أن يكون جريمة وهو نوع من أنواع العنف النابع عن غضب من شىء ما، أو سخط أو إحباط ما، وربما أزمة مرت بالمتحرش فى حياته تحولت إلى رد فعل داخلى عنيف مثل أن يقوم المريض بإيذاء نفسه أو يمارس العنف الخارجى مثل القيام بأعمال البلطجة أو التحرش الجنسى.

فى مصر تتوافر كل مسببات هذا المرض من فقر وجوع وكبت وعشوائيات ينام فيها عشرة أفراد فى غرفة واحدة بلا أدنى قدر من الخصوصية مع البطالة والإحباط العام والنظرة الدونية للمرأة فى مجتمع ذكورى يلوم الضحية ويبرر للجانى مع غياب الرادع القانونى الكافى الذى يجعل المجرم يزيد فى جرمه ولا يبالى.

لذلك حصر جريمة التحرش والاغتصاب فى الكبت الجنسى فقط هو تسطيح للمشكلة لأن المشكلة أعمق بكثير، وأبعادها فى مصر تختلف عن أى دولة أخرى، فلا تقنين البغاء سيحل الأزمة ولا طرق علاجها التى لا ترعى أبعادها المتعددة ستنجح أيضا، نحن أمام مرض اجتماعى وشذوذ نفسى متفشٍ ويأخذ الشكل الجماعى بدلا من الفردى، ميليشيات التحرش التى تتكون من مجموعات من أطفال وشباب تتراوح أعمارهم من 14 سنة إلى 30 سنة أو أكثر هى مؤشر مرعب للمستقبل القادم الذى يحمل سوادا أشد قتامة للنساء فى مصر.

لذلك نكرر أن التعامل مع هذه المشكلة يجب أن يكون متعدد الأبعاد يشمل البعد القانونى الذى يجب أن يكون رادعا بشكل كاف والبعد السلوكى والأخلاقى للمتحرش، ثم تعليم الضحايا كيفية التعامل السليم حين يحدث ذلك مع علاج الأسباب المجتمعية، وتجفيف منابعها مثل الفقر والبطالة وغيرهما.

ليس معنى أن التحرش مرض نفسي ذو أبعاد اجتماعية أن نبرر الجريمة، لا نريد هبة لحظية تنتهى كالعادة مع انشغالنا فى أحداث جديدة، نتمنى أن تكون مرارة ما حدث كافية لنسير فى الاتجاه الصحيح للعلاج.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية