«أضخم طلب تتقدم به امرأة للحصول على وظيفة»!
هكذا سخر الجمهوريون من الكتاب الجديد (656 صفحة) لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى رودام كلينتون، وركزت الميديا على الحملة الهائلة التى بدأتها كلينتون فى أنحاء الولايات لترويج كتابها «خيارات صعبة».
الكتاب ليس «مذكرات شخصية»، لكنه «مذكرات مهنية» تتناول ملامح السنوات الأربع لهيلارى كوزير للخارجية طوال الفترة الأولى من رئاسة أوباما (2009 - 2013)، وهو الأسلوب الذى اتبعه بطرس غالى عندما نشر مذكراته المهنية فى الأمم المتحدة بعنوان «5 سنوات فى بيت من زجاج»، ثم «فى انتظار بدر البدور»، الذى نشرت له عرضا فى 5 صفحات كاملة فى «المصرى اليوم»، وأثار حينها ضجة كبرى بسبب حديث غالى عن شماتة مبارك فى خروجه من الأمم المتحدة، والأكثر إثارة فى هذا الموضوع أن الرجل الذى كان يترأس المجلس القومى لحقوق الإنسان فى ذلك الوقت، فوجئ بهذه العبارة التى سببت له حرجا بالغا مع الرئيس، فقد اتضح أنه التقى مبارك عقب خروجه من الأمم المتحدة، ومازحه الرئيس قائلا: مش قلت لك تسمع الكلام، وبلاش تعاند مادلين أولبرايت، دى ست جامدة ومحدش يقدر عليها، وفور خروجه سجل غالى الملاحظة بالفرنسية فى مفكرته، وعند إعداد الكتاب سلم المفكرة بكل ما فيها لما يسمونه فى الغرب «الكاتب الشبح» الذى يرسم الصورة النهائية للكتاب، وبالمناسبة وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جورج شولتز هو الذى نصح غالى بذلك، وقدم له كاتبه الشبح.
مثل هذه الكتب إذن صناعة ضخمة، يدخلها صاحب الكتاب كطرف واحد فى معادلة متشابكة، تتجاوز أغراض التباهى، والبوح بذكريات انتهت، أو توفير معلومات عن كيفية صناعة القرار، أو الاعتراف بتقصير فى المسؤولية، فهناك أعراض أخرى مثل التبرير، والتمويه، والحديث عن الماضى كمقدمة لفتح طريق مواز نحو المستقبل، سواء لصاحب المذكرات، أو لأحد من فريقه، ولكن هذا لا يمنع الفريق المنافس من الاشتباك لتحويل الدفة لصالحه، وكتاب كلينتون مثال واضح فى مثل هذه المعارك، لذلك تختلف الضجة المثارة حوله داخل أمريكا عن الضجة التى يثيرها فى العالم، فنحن مثلا لا نقرأ الكتاب، ولا نهتم بترجمته إلا عندما يصبح سلعة فضائحية قابلة للتسويق، كل الحكاية أننا نبحث عن أنفسنا فى الكتاب (بطريقة اسمى مكتوب؟!)، ونتطلع لمعرفة ماذا قالت كلينتون عن مرسى؟، وماذا كان موقفها من مبارك أثناء ثورة يناير، برغم المودة التى جمعت بينهما؟، مع سطور متفرقة عن تحركاتها فى الشرق الأوسط، ورؤيتها للأحداث التى مرت بنا.
لكن هل لذلك علاقة بمستقبلنا؟، وهل تعنى المعلومات السلبية التى نشرتها عن الرئيس المعزول محمد مرسى، أنها كانت إخوانية أكثر من «أم أيمن»، ثم انشقت بعد سقوط حكم الإخوان؟
اختيارات الصحف، كانت أصعب من اختيارات كلينتون، وتعليقات القراء لم تخرج عن أسلوب «الفيس»، واعتبرت الكتاب مجرد «بوست» للتشهير بمرسى، فهو «إما عبيط أو بيستعبط»!، وكأن المندوب السامى للربيع العربى، زارت 112 بلدا، وطارت مليونا و600 ألف كيلو مترا، لتكتشف أخيرا أن مرسى «شرير»، أو على أقل تقدير «ساذج»، فقررت أن تكلف نفسها وتصدر هذا الكتاب لتتبرأ فيه من الإخوان، وتجوب أنحاء الولايات لتعترف بغلطتها الشنيعة، وتؤكد أنها ستقدم أوراق ترشحها للرئاسة الأمريكية، بعد أن تابت وأنابت، وغنت «تسلم الأيادى»!