ربما لا نريد أن يكون أول ما نواجهه فى هذه المرحلة المزيد من نداءات الإسقاط، فقد أصبح واضحا أن الشعب المصرى يريد البناء لا الإسقاط، لكن لا يمكن أيضا فى الوقت ذاته أن يكون البناء على أساس فاسد فاشل يعيد إنتاج نفس السلطة ونفس النظام ونفس السياسات.
نعم، الدولة المصرية بحاجة إلى تطهير وتطوير واسع، ولا يمكن الاطمئنان إلى بناء نظام جديد حقا نادى به المصريون منذ ٢٥ يناير وحتى الآن، ولا يزالون وسيبقون حتى لو بدوا الآن فى لحظة قبول بحد أدنى كثيرا من طموحاتهم وأشواقهم التى تجلت منذ ٣ سنوات.. ونعم منظومة التشريع تحتاج إلى تطوير واسع ومراجعة شاملة، فى حدها الأدنى كى تكون متسقة مع الدستور الجديد الذى أقره المصريون منذ شهور قليلة، وصحيح أن تلك مهمة مجلس النواب المقبل، لكن صحيح أيضا أنها تحتاج فى بعض جوانبها لإرادة سياسية قد تكون هى الاختبار الأول لحكم عبدالفتاح السيسى.
ونعم لا نريد الدخول فى صدام مع المزاج الشعبى السائد فى هذه اللحظة، ونريد منح الشعب المصرى فرصة ليرى ويحكم بنفسه بناء على ما سيجرى لا بناء على توقعاتنا وتحليلاتنا، لكن عندما نرى استمرار صدور أحكام قضائية ضد أعداد متزايدة من الشباب الذين كانوا طرفا رئيسيا ومبادرا لثورة الشعب المصرى العظيم فى ٢٥ يناير ثم فى ٣٠ يونيو، فى الوقت الذى ننادى فيه بالإفراج عمن سجنوا وصدرت ضدهم أحكام بسبب قانون التظاهر، فلابد هنا من إطلاق بوق إنذار، قد يراه البعض بمنطق التصيد، لكنه فى الحقيقة بمنطق الحرص على هذا الوطن ورغبة شعبه فى قدر من الهدوء لصالح فرص البناء.
هناك مسؤولية سياسية واضحة على السيسى الآن، أولا بحكم كونه طرفا رئيسيا فى السلطة التى أصدرت قانون التظاهر، وثانيا بصفته الآن رئيس الجمهورية، الذى لا يزال يحتفظ بسلطة التشريع مؤقتا، لحين انتخاب مجلس النواب.
السيسى الآن فى اختبار حقيقى، فإما أن يقدم رسالة طمأنينة - ربما لا تكون كافية وحدها لكنها قد تكون مدخلا على الأقل - أنه لا يؤسس لدولة قمع جديدة تستهدف تحت شعار القانون إرساء ظلم جديد سيبدأ بقطاعات من الشباب المعارض له، لكنه سيمتد تدريجيا ليشمل قطاعات أوسع.
دعوتنا للسيسى الآن أن يتحمل مسؤوليته ويقدم مبادرة بوقف العمل بقانون التظاهر لحين انتخاب مجلس النواب والإفراج عمن صدرت ضدهم أحكام بسببه، أو فى الحد الأدنى تعديل نصوصه بما يتفق مع ما سبق طرحه من ملاحظات من المجلس القومى لحقوق الإنسان وقوى سياسية وحزبية متعددة.
ما ندعو له ليس مناشدات ولا توسلات، ما ندعو له حقوق واجبة ومسؤوليات ملزمة.. بوضوح: السيسى مسؤول سياسيا الآن وفورا عن إيجاد مخارج من أزمة قانون التظاهر الذى كان شريكا فى بدءها، وهو الآن مسؤول عن استمرارها.