يشكل المهندس إبراهيم محلب حكومته الثانية، هذه الأيام، مستفيداً فيما يبدو أمامنا من تجربته فى تشكيل الحكومة الأولى قبل مائة يوم.. ففى المرة الأولى، لم يشكل هو حكومته، وإنما كان الرأى العام، والإعلام، والضغوط من كل جانب، تشكلها جميعاً معه، ولانزال نذكر جيداً كيف أن الرجل كان كلما استقبل أحداً، فى ذلك الوقت، على سبيل التشاور وتبادل الرأى لا أكثر، هاج الإعلام، وهاجت الدنيا معه، لأن «فلان» الذى استقبله رئيس الحكومة المكلف لا يصلح وزيراً!
وربما تكون واقعة الدكتور أسامة الغزالى حرب هى الأبرز، وهى الأشد دلالة فى هذا الاتجاه.. إذ بعد أن استقبله «محلب» وأبلغه فعلاً بأنه مرشح لتولى وزارة الثقافة، قامت الدنيا ولم تهدأ، اعتراضاً على الترشيح، فلم يجد رئيس الحكومة بداً من أن يتراجع، ويرسل إلى الدكتور أسامة مَن يبلغه بأن موضوع ترشيحه لم يعد قائماً!
ولم تكن هذه الواقعة فريدة من نوعها، فهناك وقائع أخرى عديدة، قامت متجسدة إلى جوارها، ولذلك، فليس من المبالغة فى شىء أن نقول إن وزراء دخلوا حكومة محلب الأولى، على غير رغبته، وإن آخرين غادروها، ولم يدخلوها، رغم أنفه، وإن الذى كان يشكل الحكومة، فى وقتها، هو الشارع، وليس الرجل الذى اختاره رئيس الدولة، ليشكلها، ولابد أنها سابقة من نوع لا مثيل له، ولابد أيضاً أنها سوف تكون موضع دراسة وتأمل فيما بعد، ثم لابد كذلك أن رئيس حكومتنا يرمم حكومته الأولى، اليوم، أكثر مما يشكل حكومة جديدة، أو بمعنى أدق فإنه فى هذه الساعات التى تمر الآن يمارس حقاً أصيلاً له، فى اختيار أعضاء حكومته، بعد أن حرموه منه، قبل مائة يوم!
ولهذا، فربما يكون أفضل شىء فعله المهندس محلب، هذه المرة، أنه راح يعقد مشاوراته، ويستقبل الذين يراهم أهلاً للانضمام إلى حكومته، بعيداً تماماً عن عيون الإعلام، لأن العقل والمنطق، ثم الدستور، تقول كلها إنه هو وحده المسؤول عن التشكيل، وليس أى طرف آخر.. فعندما يخفق وزير فى وزارته سوف يقال إن الذى جاء به واختاره هو «محلب» شخصياً، ولن يقال إن أحداً آخر هو الذى اختار!
ولا أستبعد أن تكون هذه الطريقة الجديدة فى تشكيل الحكومة جاءت كنصيحة من الرئيس السيسى لرئيس حكومته الأولى.. إذ المتوقع أن الرئيس كان يراقب، على مدى حكومات عدة مضت، طريقة تشكيلها، ولم يكن يعجبه الأمر، ولم يكن راضياً عما كان يتم، ولم يكن يملك، فى وقتها، حق إصلاح ما يراه معوجاً، فلما صار الأمر إليه، قام بما يجب أن يقوم به، وهمس، فيما نتصور، إلى رئيس حكومته، بأن يشكل حكومته على مهل، وأن يختار جيداً، وأن يكون ذلك كله فى مكان هادئ، لا وجود فيه لصخب إعلامى يفسد أكثر مما ينفع!
ولذلك، فإن هذه الحكومة الجديدة عندما تخرج إلى النور، سوف تكون اختياراً حراً لصاحبها، وسوف لا تكون فيها أسماء تسللوا إليها بضغوط من هنا، أو هناك، وسوف يخرج منها الذين يرى رئيس الدولة، ورئيس حكومته، وحدهما، أن عليهم أن يخرجوا، وسوف يبقى فيها الذين يرى الاثنان، وحدهما أيضاً، أن عليهم أن يبقوا، وسوف يتحمل الاثنان، الرئيس ورئيس حكومته، المسؤولية كاملة، عن أدائها كحكومة، فيما بعد، وهذا فى الحقيقة ما يجب أن يكون!
المهم، أن تكون الرغبة فى الإنجاز السريع على الأرض هى الدافع الوحيد، وراء استبعاد هذا، أو المجىء بذاك، من الوزراء لأنه لا وقت مطلقاً لنظرية التجربة والخطأ التى حكمت عمليات تشكيل الحكومات لعقود من الزمان مضت!