قال المخرج كمال عبدالعزيز، رئيس المركز القومي للسينما، إن الثقافة المصرية تراجعت ككل خلال الفترة الماضية وليست السينما وحدها، مؤكدًا أن تركيز الأفلام على المشكلات المجتمعية هو أمر صحي، الفنان الذي يتجاهل تسليط الضوء على المشكلات المجتمعية الخطيرة يكون مُغيّبًا.
وأضاف «عبدالعزر» في حوار لـ«المصري اليوم» أنه يتم حاليًا إنشاء شباك واحد للمنتجين لتسهيل تصوير الأفلام، كما يتم العمل على توفير وقت وجهد المنتجين الأجانب لنستفيد منهم في عدة مجالات، منها إنعاش السياحة وتخفيض معدلات البطالة وإدخال عملات أجنبية إلى البلاد.
■ هل ترى أن وصول السيسى للرئاسة سيكون له انعكاس على الثقافة والسينما؟
- السيسى أكد لنا خلال لقائه مع وفد الأدباء والفنانين اهتمامه بالثقافة والفن وتطوير السينما، وذلك من أجل تنمية وعى المواطن حتى يصبح قادرًا على التعامل مع مشكلاته الاجتماعية والتواصل مع الآخر بدلًا من نبذه، وبذلك ستعود لنا مصر التي نعرفها.
■ ما الذي يمكن أن يؤديه الفن في ظل التغيرات المجتمعية والسياسية؟
- المواطن المصرى مبدع بطريقته حتى في أسوأ ظروفه ومشكلاته، وهو قادر على إيجاد حلول تُبهر العالم، والفن عمومًا له دور مهم في الأزمات وأوقات الحروب، ورأينا عقب نكسة يونيو 1967 كيف كانت الأغنية والفيلم يعملان على شحذ الهمم وتقوية الوازع الوطنى في أرواح المواطنين، وأيضًا بعد ثورة 25 يناير، حيث ظهرت العديد من الأغانى الوطنية.
■ وماذا عن أسباب تراجع السينما في الآونة الأخيرة؟
- لم تتراجع السينما وحدها مؤخرًا، بل حدث تراجع للثقافة ككل، والسينما طوال عمرها تمر بمؤشرات صعود وهبوط، ونحن في مؤشر اقتصادى هابط حاليًا، لأن السينما تعتمد على الاستثمار وضخ الأموال، مثل السياحة والبورصة، وقد حدث للثلاثة ضعف شديد جدًا، فاستقرار السينما الاقتصادى يرتبط بالاستقرار الأمنى والسياسى، لأن رأس المال بطبيعته جبان، ولن يستثمر رجل أعمال أمواله في فيلم وهو يعى أن الوضع الأمنى لا يسمح للعائلات بالخروج لمشاهدته في دور العرض.
المشكلة عندنا ليست في إنتاج الأفلام السينمائية، فمصر تستطيع أن تنتج فيلمًا كل يوم، لكن المشكلة في التوزيع، حيث عانت السينما المصرية منذ فترة طويلة من الاعتماد على الموزع الخارجى الذي تسبب الاعتماد عليه في تسويق الأفلام إلى فرض رؤيته، فأصبحنا نعمل تحت رقابته، وأدى ذلك الوضع إلى ظهور أفلام لا تشبه المجتمع الذي نعيش فيه.
وإضافة إلى ما سبق، فإن مصر تعانى من مؤامرات كثيرة لتدمير ثقافتها، ونحن كسينمائيين وفنانين نعى هذه المؤامرات ونقاومها، ونسعى من خلال الأفلام والسينما المستقلة للوقوف ضد هذه المؤامرات.
■ بمناسبة الحديث عن السينما كمرآة للمجتمع.. هل ترى أن فيلم «حلاوة روح» يستحق الجدل الذي أثير عليه؟
- هناك الكثير من الأفلام الرديئة في تاريخ السينما المصرية بجانب الأفلام المتميزة والمتوسطة، ودائمًا ما تسقط الأفلام الرديئة في مفرمة التاريخ، والدليل على ذلك فترة الثمانينيات التي تم خلالها تصوير أفلام في 9 أيام فقط، فكانت تخرج بلا موضوع أو جودة، وقد ذهبت جميعها إلى مزبلة التاريخ، ولم يبقَ من أفلام تلك الفترة سوى الأفلام المؤثرة.
وبالنسبة لفيلم «حلاوة روح»، فإن الموزعين قبل الأزمة التي أثيرت حوله أكدوا أن إيرادات الفيلم تتراجع وأنه لن يستمر في دور العرض، حتى حدثت الأزمة وبات الجميع يبحث عنه، وإذا كان البعض يصف إنتاج سينما فترة الثمانينيات بـ«أفلام المقاولات»، فإن الكثير من أفلام المرحلة الحالية «تجارية رخيصة».
■ برأيك، لماذا تهتم السينما الحالية بإبراز البلطجة والعنف وعدم التركيز على الملامح الإيجابية؟
- هذا هو الواقع الذي تعيشه مصر، فالسينما تعكس الواقع، والفترة الماضية انتشرت البلطجة والعنف وأعمال الخطف في الشوارع والتفجيرات، وتركيز الأفلام على المشكلات المجتمعية هو أمر صحى، لأن المجتمع يحتاج إلى إعادة «تقليب التربة» من خلال عرض المشكلات الحقيقية حتى يتم البحث عن حلول لها، والفنان الذي يتجاهل تسليط الضوء على المشكلات المجتمعية الخطيرة فإنه يكون مُغيّبًا.
وفى هذا السياق، لا ننكر مثلًا أن نموذج «عبده موتة» غير موجود بكثرة في المجتمع، وما شاهدناه في فيلم «حلاوة روح» أقل مما يوجد في الواقع 200%، فالواقع أسوأ من ذلك بكثير، وهناك مشكلات مجتمعية خطيرة وواقع مرير لا يمكن أن نتناولهما حاليًا في السينما بسبب إنكار المجتمع لهما رغم وجودهما، وعلينا ألا ندفن رأسنا في الرمال.
■ هل ترى أن الرقابة على المصنفات الفنية بحاجة إلى إعادة هيكلة؟
- هناك لجنة مجتمعية مُشكّلة من مجموعة من علماء النفس والاجتماع لوضع تصور مستقبلى للرقابة على المصنفات، وهذه المجموعة أراها واعية بضرورة وجود حرية الإبداع، وعلينا أن نعترف بأن مفهوم الرقابة سيتغيّر لاحقًا، سواء شئنا أم أبينا، والرقابة ستنتهى مع الوقت، لأنها في السابق كانت ترتبط بسيناريو يحصل على موافقتها ثم يصور الفيلم ويعرض بعد ذلك على الرقيب، لكن مسارات الأفلام تغيرت الآن، فقد يتم تصوير فيلم ويذاع دون الحاجة للرقيب، بل ويحصل الفيلم على جوائز دولية، كما حدث مع المخرج الإيرانى المسجون الذي صور فيلمًا وأخذ به جائزة في مهرجان «كان»، وهذا يبرهن لنا على أن الفن طائر طليق لا يستطيع أحد الإمساك به.
■ إلى أين وصلت أعمال اللجنة الوزارية الخاصة بتطوير السينما؟
- انتهت اللجنة إلى ضرورة إعادة أصول السينما المصرية لوزارة الثقافة، وعمل شباك واحد للمنتجين لتسهيل التصوير، وذلك بعد معاناة صناعة السينما من المشكلات الإدارية الموزعة على الوزارات، ونحن الآن نسعى إلى إيجاد صيغة للتعامل ما بين الوزارات ضمن «الشباك الواحد»، وهو ما يجرى إنشاؤه حاليًا بالمركز القومى للسينما، حتى نوفر للمنتج الأجنبى الراغب في التصوير بمصر وقته وجهده، وفى المقابل سنستفيد منه في إنعاش حركة السياحة وتخفيض معدلات البطالة، وإدخال عملة أجنبية للبلاد.
وهناك فيلم أمريكى حصل على التصاريح بالتصوير في مصر، وأتمنى أن يخرج الفيلم إلى النور سريعًا، لأنه سيشجّع المخرجين الأجانب بشكل عام على التصوير ببلدنا، وهو ما سيعنى تحريك عجلة السياحة وتوفير عملات أجنبية ويسهم في إيجاد فرص عمل.
■ ما الدعم الذي يقدمه المركز القومى للسينما لصناعة الأفلام في الوقت الحالى؟
- قام المركز بدعم 32 فيلمًا مؤخرًا، منها 12 فيلمًا روائيًا، و10 أفلام تسجيلية، و10 أفلام رسوم متحركة، وقد حصلت بعض الأفلام التي دعمها المركز على جوائز دولية، مثل «فتاة المصنع» و«هرج ومرج» و«فيلا 69» و«لا مؤاخذة»، وقام المركز بدعم 26 فيلمًا مستقلًا بالتعاون مع شباب يحاول أن يبحث لنفسه عن فرصة فنية.
■ هل هناك خطوات مطلوبة من الحكومة لتطوير صناعة السينما؟
- على الحكومة أن تُعيد الاستثمار في السينما حتى تعود إلى مجدها القديم، فلو عاد الدعم الداخلى للسينما لن نلجأ إلى موزع خارجى يفرض علينا سياسته ولا رقابته، وعلى الحكومة أن تُهيئ المناخ المناسب من خلال سن القوانين التي تساعد على نهضة الفن بشكل عام، والسينما بشكل خاص، من خلال خفض الجمارك على معدات السينما، وخفض الضرائب على تذاكر السينمات والمسارح، وألا تعامل السينما معاملة الملاهى،
■ كيف ؟
- أن تُبنى في كل محافظة 10 دور عرض على الأقل ويتم طرحها على السينمائيين لإدارتها، وهنا ستعود السينما المصرية لسابق مجدها عندما استطاعت أن تشكل وجدان العالم العربى وجعلت اللهجة المصرية معروفة في كل بيت عربى.