x

أيمن الجندي لا تتزوج هذه المرأة أيمن الجندي السبت 07-06-2014 22:04


كان فى غرفة نومه يضع اللمسات الأخيرة على هيئته، ومن خلف الباب المغلق ضجيج أصوات تتحدث بمرح. وسمع صوت أبيه يقهقه على شىء ما.

وبينما هو يعقد ربطة العنق رأى المشهد فى انعكاس المرآة بكل وضوح. جسد بشرى يظهر من المجهول ويسقط فى فراغ الغرفة. ارتطم الجسد بصوت مسموع، فالتفت والرعب يملأ قلبه. فشاهد كهلا أصلع الرأس متورم العينين يحاول القيام فى بطء، ويبادله النظرات فى ذهول.

وسأله بلسان جاف: «من أنت؟ وكيف دخلت إلى هذه الغرفة؟». صمت العجوز قليلا وراح يرمق ما حوله بنظرات يذيبها الحنين. ويلمس بيده خازنة الثياب والمكتب والسرير. ثم يتجه نحو النافذة بعينين دامعتين.

عاد الشاب يقول وكأنه يخاطب نفسه: «أشعر كأنى أعرفك. وجهك مألوف لدىّ».

ينظر العجوز نحو الشاب فى رقة، ويقول بصوت هامس: «صعب أن أشرح لك من أنا! ولكنى أتوسل إليك ألا تتزوج هذه المرأة».

بدا الذهول على وجه الشاب، وقال: «ماذا تقول؟ هل جننت؟ حفل زفافى بعد قليل والجميع ينتظرنى». هتف العجوز فى حرارة: «أعرف صعوبة الأمر ومدى الإحراج الذى ستتسبب فيه. ولكن الأمر حياة أو موت». تساءل الشاب فى دهشة: «حياة من؟». قال العجوز فى حزن: «حياتى أنا. لو تزوجتها سأموت».

هز الشاب رأسه وكأنه ينفض كومة من الغبار: «حياتك أنت؟ وما علاقتك بالأمر؟». يهمس العجوز فى أسى: «لن يصدقنى. لن يصدقنى».

يتأوه العجوز ويجلس على حافة السرير: «يبدو أنه لا مفر من أن أكشف لك عن شخصيتى. أنا يا بنى هو أنت، ولكن بعد ثلاثين عاما». الشاب ينظر إليه فى حذر ولا يرد. يتابع العجوز: «اعلم أن الأمر يصعب تصديقه. فلنقل إنى استطعت بطريقة ما أن أخترق الزمن وأعود فى الماضى إلى اللحظة الفاصلة كى أنقذ حياتى التى هى حياتك».

تنتاب الشاب قشعريرة. يرمقه العجوز فى خوف ويقول: «شعرت منذ اللحظة الأولى بالشبه ولكنى كذَّبت نفسى. ولكن ما تقوله مستحيل فيزيائيا. كيف توجد نسختان من الشخص نفسه فى اللحظة نفسها. هذا فيزيائيا مستحيل». همس العجوز: «أستطيع أن أشرح لك ولكنى لا أدرى كم سيطول بقائى فى هذا الزمن. فقط أريدك أن تعلم أننى فى انتظار حبل المشنقة. وأنت الوحيد الذى يخلصنى». قال الشاب: «كيف؟». رد العجوز: «لا تتزوجها. لأنى قتلتها. أقصد أنك ستقتل عروسك فى المستقبل! تلك التى تتأنق من أجلها الآن».

انكمش الشاب وقال: «مستحيل أن أقتلها حتى لو كرهتها. لا أملك نفسية قاتل». قال العجوز فى حزن: «ستكتشف أنك تملكها بعد لحظة غضب جامحة. أفهمت الآن لماذا أناشدك ألا تتزوجها؟ ذلك هو السبيل الوحيد لنجاتى من حبل المشنقة»

تراجع الشاب: «رويدا. أنت تتحدث وكأننى صدقت خرافتك». قال العجوز فى إجهاد: «لو كان الوقت يتسع لطلبت منك الذهاب لمضاهاة البصمات. ولكن أشعر أن وجودى ينسحب وأننى أوشك أن أعود إلى زمنى الأصلى».

يتحول العجوز إلى كيان شفاف توطئة لأن يختفى تماما. بينما ينظر إليه الشاب فى ذهول. ومن وراء الباب المغلق ضجة أصوات، وصوت أبيه يطلب منه بوضوح أن يستعد للذهاب.

مكث الشاب للحظة لا يرى أو يسمع شيئا. ثم وكمن ينفض غبارا علق بشعره، هز رأسه مرتين وابتسم هامسا لنفسه: «يا للإجهاد وما يصنعه بالمرء!»، ثم فتح الباب واستقبل أباه.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية