سيمكننا الآن أن نستخلص عدداً من الدروس من الانتخابات الرئاسية، التى جرت الأسبوع الماضى، وانتهت بفوز كاسح للمشير السيسى، يمنحه الشرعية السياسية والقانونية، والدعم الشعبى اللازم، لقيادة البلاد فى السنوات الأربع المقبلة، ويكرس شرعية 30 يونيو، باعتبارها موجة ثورية تعبر عن إرادة شعبية، بشكل يُصّعب على أى طرف داخلى أو خارجى محاولة النيل منها، فى آن واحد.
أولاً: للشعب المصرى سمات عامة كرستها أوضاع حضارية وجغرافية وتاريخية وثقافية عديدة على مر القرون؛ ومن تلك السمات البساطة والعفوية، لكن ليس منها الوضوح ومقابلة التوقعات فى كل الأوقات.
واستناداً إلى ذلك، فالاستخلاص الأول يؤكد مقولة أن الشعب المصرى «بلا كتالوج»؛ أى يصعب جداً فهم الطريقة التى يفكر بها، وبالتالى سيتعذر توقع قراراته وسلوكياته فى معظم الأحيان.
ثانياً: إن شهور العسل مع المصريين قصيرة، ولا يمكن التعويل على استدامتها أو ضمان بقائها من دون أن تتوافر العوامل الموضوعية اللازمة لصيانتها وازدهارها.
ثالثاً: إن الشعب المصرى لم يعد قادراً على تقديم «التفويض المفتوح»، أو توقيع «شيكات على بياض»، أو «تحرير توكيل عام بالإدارة»، ورغم أنه ليس شعباً جاحداً أو ناكراً، فإنه سيفضل دوماً أن يمنح «الدعم المؤقت والمشروط»، على أن يكون «الحساب» مرحلياً، والمتابعة «يوماً بيوم».
رابعاً: لم يستطع أى طرف من الأطراف المتنافسة على ساحة المشهد السياسى، بما فيها المتنافسان على منصب الرئيس، والمقاطعون، والرافضون، والمخربون، أن يقنع الكتلة الحيوية المؤثرة فى مستقبل هذا البلد؛ أى الشباب.
وبالتالى، فإن تلك الكتلة؛ ستظل محبطة، وفى حالة قلق واستنفار، وستعزف عن المشاركة والانخراط، لكنها ستظل قادرة دوماً على أن تنتفض فتقلب الطاولة على الجميع، أو تنزوى؛ فتُبقى المخاطر قائمة، وتترك ثقباً أسود ضخماً مفتوحاً على أسوأ الاحتمالات.
خامساً: إن مصر تشهد صراعات عديدة فى الوقت الراهن، لكن أكثر تلك الصراعات خطورة ومواراة فى آن هو الصراع بين قديم وقح لا يريد أن يرحل، ومستقبل عنيد وغائم يتعذر عليه الوصول.
ولأن أنصار «القديم الوقح» أكثر يقيناً مقارنة بأعدائهم، وأغزر موارد ممن سواهم؛ فهم يحاولون بإصرار وشغف العودة على أكتاف الرئيس القادم، ولأن أنصار المستقبل العنيد مشوشون وفوضويون، فإنهم يعاندون الرجل، ولا ينتدبون غيره؛ أى يعرفون ما لا يريدون، لكنهم لم يقفوا مع أنفسهم برهة لتشخيص ما يريدون.
سادساً: مصر شهدت ثورة عظيمة فى 25 يناير، وأعقبتها موجة ثورية رائعة فى 30 يونيو؛ لكن تلك الثورة لم تنجح، حتى اللحظة الراهنة، فى تخليص هذا البلد من فكرة الزعيم الفرد، وإن كانت قلصت، إلى حد معقول، مساحة الطغيان.
سابعاً: «الإخوان» هم صانع 30 يونيو الرئيس، وأهم داعم للمشير السيسى، وباستمرارهم بدون استراتيجية سوى «رعاية الإرهاب وتعاطى الأوهام»، يرتكبون جريمة كبيرة جديدة فى حقنا جميعاً، تضاف إلى سجل لا ينتهى من الجرائم التى ارتكبوها على مدى ثمانية عقود.
ثامناً: مصر بلا أحزاب حقيقية، ومؤسسات الدولة ما زالت فاسدة ومترهلة، وجاهزة لإعادة إنتاج الاستبداد، والإعلام فقد عقله، بعدما فقد اعتباره، والتدين ما زال أداة يستخدمها الساسة أسوأ استخدام.
تاسعاً: فى الأحوال العادية، يستحق المشير السيسى التهنئة بالفوز الكاسح والثقة الواضحة الكبيرة من القطاع الغالب من المصريين، كما يستحق أن نتوقع له النجاح. لكن فى حالتنا الراهنة يستحق أيضاً أن نحذره، لأنه بدأ للتو فى مواجهة أصعب التحديات، بحيث سيكون على المحك مع طلعة كل نهار، على مدى سنوات أربع، نرجو أن يعى أنها تقع فى المستقبل العنيد.. وليس فى الماضى الوقح القبيح.