هل الحكاية هي حكاية عبدالله الشامي فقط؟ لا، إنها حكاية آلاف من المعتقلين السياسيين الذين يتم حبسهم احتياطيا.
الحكاية حكاية قانون يتم التلاعب به من مسؤولين، بغض النظر عن الضرر الواقع على المواطن المصري.
الحكاية أن عبدالله الشامي أخ.
عبد الله الشامي ابن.
عبد الله الشامي زوج.
الحكاية أن الغائب المعذب خلف الأسوار يشاركه العذاب أحباب وأهل وأصحاب وبشر ثاروا من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
حكاية عبدالله الشامي أنه مضرب عن الطعام منذ ما يزيد قليلا على أربعة أشهر، مطالبا بأن يتم محاكمته أو الإفراج عنه دون قيد أو شرط كونه معتقل رأي, وحرية الرأي مكفولة.
بدأت الحكاية يوم 14 أغسطس 2013 أي منذ 9 أشهر ونصف أثناء فض اعتصام رابعة عندما تم القبض على "عبدالله الشامي" مراسل قناة "الجزيرة" الذي كان يؤدي عمله في تغطية أخبار الاعتصام، ضمن آخرين منهم المصور الصحفي "محمد شومان"، كان الاعتقاد السائد آنذاك أنه سيتم الإفراج عنهم سريعا بناء على الانتماء لمهنة الصحافة.
لكن هذا لم يحدث, تم حبسه احتياطيا بعد عرضه على النيابة بدون توجيه أي تهم, بدأت أسرة عبدالله في اتخاذ الإجراءات القانونية ولكن تم إيداع عبدالله مع معظم معتقلي الرأي في أبو زعبل ثم تم نقله إلى طرة.
ينص قانون الإجراءات الجنائية في المادة 143 على أنه لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ثلاثة أشهر, ولكن بعد أن قام "الرئيس المؤقت" عدلي سرور/فتحي منصور بتعديل علي القانون ليحرر محكمتي النقض والجنايات من قيد مدة الحبس الاحتياطي للمتهم إذا كانت العقوبة الإعدام أو المؤبد، قامت السلطات المختصة باستغلال هذا التعديل خارجا عن سياقه لتقوم بتجديد الحبس الاحتياطي للآلاف من المعتقلين ولكن بعض هؤلاء المعتقلين فاض بهم الكيل.
في الـ21 من يناير أي بعد 5 أشهر من الحبس الاحتياطي قام عبدالله الشامي بالإضراب عن الطعام؛ احتجاجا على ظروف حبسه بدون توجيه أي تهمه له, تبعه بخمسة أيام "محمد سلطان" الذي تم القبض عليه يوم 27 أغسطس 2013 عندما قامت قوات الشرطة بمداهمة منزل العائلة للقبض على والده "صلاح سلطان" ولم يجدوه فقاموا باعتقاله بدلا منه، ولم تقم السلطات بتوجيه أي تهمة له أيضا.
الإضراب عن الطعام وسيلة من وسائل الاحتجاج السلمي الذي يؤكد به السجين أنه على الرغم من قدرة السجان على تقييد حريته, فإنه لا يملك التحكم في إرادة المسجون.
ويوجد العديد من الأمثلة لإضرابات شهيرة مثل إضراب المهاتما غاندي في سجون الاحتلال البريطاني، وإضراب الجمهوريين الأيرلنديين في السجون خلال الحرب الإنجليزية- الأيرلندية، ومؤخرا معركة الأمعاء الخاوية التي قام بها عدد كبير من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
لقد تم من قبل في عدد من الدول تسجيل حالات للإضراب عن الطعام انتهت بالوفاة في غضون 70 يوما من بدء الإضراب, أما عبدالله الشامي ومحمد سلطان فقد تخطيا حاجز الـ120 يوما ولكنهما في حالة صحية خطيرة؛ حيث أوضحت تحاليل قامت بها أسرة عبدالله، على عينة من دمه أنه يعاني من فقر شديد في الدم ومهدد بأعراض فشل كلوي ونسبة السكر منخفضة جدا؛ مما قد يؤدي لحدوث غيبوبة.
عندما تصل مدة الإضراب عن الطعام لمثل هذا الرقم الرهيب يجب أن يتم مراعاة صحة المضرب, وفي حالة كسر هذا الإضراب يجب أن يتم الإطعام تدريجيا كي تستطيع أعضاء الجسد تقبل الطعام بعد مدة طويلة.
ولكن للأسف يبدو أن الأمن المصري لا يعترف بمثل هذه الحقائق العلمية, فمنذ عدة أسابيع قام القائمون على سجن العقرب (حبس انفرادي شديد الحراسة تم نقل عبدالله إليه بعد أن تخطى إضرابه الـ100 يوم كنوع من العقاب له والضغط عليه لإنهاء الإضراب ولم يتم إخبار أسرته ولا محاميه عن مكان الاعتقال الجديد، وظلت الأسرة تبحث عنه لعدة أيام)- بمحاولة إطعام قسري لعبدالله, وقاموا بحشر قطعة من التونة في فمه مما أدى إلي التقيؤ والإغماء.
كما قام مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون بالتصريح بأن عبدالله ليس مضربا عن الطعام ولكنه ممتنع فقط عن طعام السجن ويأكل الأطعمة من الكافيتريا وما تحضره أسرته له أثناء الزيارة (مع الأخذ في الاعتبار أن "جهاد" زوجة عبدالله قامت بالإضراب عن الطعام منذ فترة تضامنا مع زوجها). وقامت صفحة على فيس بوك تحت اسم "الشرطة المصرية" (صفحة ليست رسمية يديرها بعض الضباط) بنشر صور لعبدالله تظهره يأكل وفي نفس الوقت واضح على جسده الإعياء وفقدان الوزن الشديد.
نقول تاني: الحكاية مش حكاية عبدالله الشامي وحده.
الحكاية حكاية عمرو ربيع الذي تم اعتقاله منذ أكثر من شهرين ولم يتمكن أهله من معرفة مكانه، وبعد أن ظهر اسمه في قائمة "الهاربين"، اتضح مؤخرا أنه مقبوض عليه.
الحكاية حكاية 37 روح راحت في سيارة الترحيلات.
الحكاية حكاية الشرطة التي يُحكى أنها تقوم باعتقال الأبناء للضغط على الآباء.
الحكاية حكايتنا إحنا، حكاية جيل لم يعد من الممكن أن يعود إلى الخوف، أو أن "يطاطي"، بعد أن أعلنها في 25 يناير "إحنا كرهنا الصوت الواطي".
لماذا يجب علينا أن نعيد ونزيد في الحكاية.
علشان لما يكون عندك رأي مخالف لرأي الدولة تستطيع أن تعلنه بدون التربص بك.
"علشان في العالم كله المتهم برىء حتي تثبت إدانته إلا في مصر المتهم محبوس احتياطيا حتى تثبت براءته" من رسالة محمد سلطان أثناء عرضه على المحكمة لتجديد حبسه منذ خمسة عشر يوما.
علشان " قصتي ليست قصة فرد واحد وإنما هي عن كل صاحب كلمة حرة ودفاع عن حق فطري كفلته كل الشرائع والقوانين. وغير بعيد سيفتح باب هذه الزنزانة واسعا دون حاجز أو حارس وسأرفع الرأس ماضيا واثق النفس قوي الإرادة. لست مجرما ولا مخربا، أنا صحفي والصحافة ليست جريمة" من إحدى رسائل عبدالله الشامي من محبسه.
"علشان أنا مش خايف من الموت الذي أصبح قريب" كما جاء في رسالة لمحمد سلطان، "أنا عايز أعيش بس أعيش حر أو أموت حر، وإذا كانت حياتي ثمن الحرية فغالي والطلب رخيص".