مثل شاب يلف ويدور بسيارته الفخمة في أحد شوارع حي راق بالعاصمة، توقف أمامي الشاب ذو الـ26 عاما وقتها، أخفض صوت الموسيقي الصاخبة القادمة من داخل السيارة الـ"لاند روفر"، ونزل من سيارته علي مهل، هندم جلبابه وأعاد وضع عمامته البيضاء فوق رأسه، حرك يده ببطء علي لحيته القصيرة، وابتسم مرحبا "أهلا بيك في المهدية".
وقتها، وفي وقت مبكر من عام 2012 ، وفي رحلة بحث صحفية عن "الملثم" الذي فجّر خط الغاز أكثر من 12 مرة حتي وقتها، وعن طريق عدد من المصادر، تحدد موعد، وقبله بأكثر من نصف ساعة، وأمام أحد بيوت قرية المهدية في وسط سيناْء، جاء "الملثم"، جاء شادي المنيعي.
شاب عشريني، سيارته فارهة ولامعة، علي مقدمته، بوستر ضخم لـ"بن لادن" وعلي زجاجها، شعار منظمة القاعدة، ومن سماعتها، يخرج عاليا صوت صاخب لنشيد جهادي، باختلافات شكلية، كان شابا ثريا، حرا، متمردا.
في سيناء، وحيث كٌل شيء متاح، وفي غياب شبه كامل للدولة، يظهر كُل فعل في العاصمة بشكله الكاريكاتيري المبالغ فيه، الشاب المتجه للتدين في مراهقته، يتحول لنواة إرهابي، والمتمرد الباحث عن تحقق ما، يصبح قائدا لعصابة إجرامية، او جماعة دينية مسلحة، أو كلاهما في حالتنا.
قبل اللقاء بأقل من عامين، كان شادي المنيعي، يقضي فترة عقوبة بسيطة كتاجر للبشر، يهرب الأفارقة القادمين من إريتريا وإثيوبيا عبر أسلاك الحدود الشائكة إلي اسرائيل، ليخرج من السجن متدينا، ويهجر تجارة البشر، إلي التشدد الديني، ويبدأ بكاريزما شاب ثري (جمع ثروته من تجارة البشر)، وذو نفوذ من عائلة قوية (من فرع المنايعة في قبيلة السواركة)، جمع عددا من الشباب حول أفكاره الجديدة، ليبدأ في تنفيذ عدد من عمليات التفجير لخط الغاز المتجه إلي اسرائيل، ليعٌرف إعلاميا باسم الملثم.
يلف ويدور بنا شادي المنيعي في فبراير 2012 في سيارته، المعد في شنطتها الخلفية مدفع آر بي جي، والمتخم كرسيها الخلفي بعدد من الأسلحة المتنوعة، يبتسم في لٌطف، ويتوقف أمام بقالة صغيرة، لنشرب سويا "بيبسي" ، ونتناقش حول الأهداف، "الهدف إسرائيل، نفجر خط الغاز لأنه متجه لإسرائيل، لا علاقة لنا بما يحدث في مصر، ولكن هدفنا، منع تصدير ثروة بلدنا إلي إسرائيل".
"مقّنع"، دون قناعه يبدو متأنقا، وواثقا، وأحيانا مغترا بالزخم الإعلامي والإعجاب الشعبي به كملثم، شاب عشريني، حاصل علي دبلوم تجارة، تتحدث عنه وسائل الإعلام، دون كشف لشخصيته، وتكتب عنه الشبكات الاجتماعية كلمات إعجاب متتالية. ثقة وتحقق قادوه بالنهاية إلي المشاركة في عمل رأه بطوليا، وهو اختطاف عمال وخبراء صينيين في طريقهم إلى عملهم بمصنع أسمنت سيناء، مقابل الافراج عن عدد من البدو المعتقلين علي ذمة قضايا مختلفة، قبل أن يتم تحرير الرهائن، بعد وساطات مع أجهزة أمنية، وتلقي شادي وعدا بالافراج عن عدد من المعتقلين.
تدين شكلي، يليق بمراهق ساعدت ظروف غياب الدولة، وحالة الفراغ في شمال سيناء على حصوله علي إمكانيات كبيرة، أسس لنواة من شباب يقودهم ملثما لتفجير خطوط الغاز، وتحتجز رهائن، تقابلت مع خبرة عدد من قيادات التيار الجهادي المسلح، الخارجين من السجون بعد الثورة، أسست لشيء ما أكبر، تنظيم اسمه "أنصار بيت المقدس".
شادي والد الطفلين، وذو ال28، عاما، قتل مساء أمس، حسب الرواية الأمنية، في مغارة باب الجبل، علي أيدي بدو مسلحين، كمنوا له ورفقته، وقتلوهم، بعد أكثر من عامين من مطاردات قوات الجيش له، وبعد أكثر من 3 هجمات جوية تستهدف منزله، قتله بدو ينسبهم البعض إلي قبيلة التياهة والسواركة، انتقاما لاغتيال عدد من شيوخ القبليتين علي يد "أنصار بيت المقدس" بزعم "تعاونهم مع الأمن".
الشاب الذي قصفت طائرات الأباتشي، منزله في وسط سيناء، والذي تتداول حكايات عن فخامته، أكثر من مرة، مات برصاص بدوي، في نهاية درامية، تليق بشخصية شاركت في خطف الجنود المصريين في مايو العام الماضي، قبل أن تشارك أيضا في إخلاء سبيلهم بعد وساطات متعددة، بعضها جمعه بمسؤولين في مكاتب جهات سيادية في سيناء، والمتهم في اغتيال ضابط أمن الدولة، محمد مبروك في نوفمبر الماضي، والخاطف الرئيسي لعدد من الخبراء الصينين، والمشارك في منع موكب المرشح الرئاسي حمدين صباحي من دخول مدينتي الشيخ زويد و رفح (في مقطع فيديو نادر يسجل ظهورا له)، وتاجر البشر سابقا. قُتل. حسب الرواية الأمنية، مسجلا نهاية قصة دموية قصيرة لشاب متمرد، ولد في وسط سيناء.