قالت الدكتورة هالة شكرالله، رئيسة حزب الدستور، إنه لاتزال هناك تحديات خطيرة ومعقدة أمام مصر، بعد مرور 3 سنوات على ثورة يناير.
وقالت، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، إن العنف لا يواجه إلا بالقانون، وإن الدولة ملزمة بقدر الإمكان بأن تقلل الأضرار الجسدية، وإننا لا نستطيع الحديث عن المصالحة بعد سلسلة التفجيرات التى شهدتها مصر.
وأوضحت أن المشهد الراهن فى الجامعات هو جزء من المشهد السياسى العام، حيث دخلت الصراع أطراف جديدة.
وإلى نص الحوار:
■ كيف ترين المشهد السياسى الآن فى مصر؟
- بعد مرور ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير لا تزال هناك تحديات كبيرة متعددة ومعقدة نواجهها، حيث عدنا من جديد لمشهد الإرهاب مقابل الدولة، وهذا المشهد شديد الخطورة، حيث يتوارى أمام تلك الثنائية تراجع القوى الديمقراطية التى تبتعد عن المشهد، والتى تلجأ للاصطفاف مع طرف من الأطراف، إذا ما لم تستطع خلق طرف ثالث لتحافظ على تميزها واختلافها مع التوجهين. والخطر الذى يواجهنا، ويداهمنا الآن أننا نضطر حتى نثبت أننا ضد أحد الأطراف، للتحالف بالضرورة مع الطرف الثالث، فى حين أننا نختلف مع الطرفين فى أسلوبهما وممارسة مصالحهما أو مع ما يريانهما فى صالح المجتمع والشعب، كما نرى العمليات الإرهابية بعدما حسمت القوى المتأسلمة أو التكفيرية أن طريقها هو العنف إلى ما شاء الله، ولا نعلم متى ينتهى، فخطورته ليست فقط على سلامة وأمن المجتمع، بل لتهديده فكر المجتمع فى فكره وتقبله الاختلاف والأشكال المختلفة للاحتجاج. وفى المقابل تصدر قوانين مثل قانون التظاهر، فتأخذ فى وجهها العديد من الوجوه التى شاركت فى الثورة، وأغلبهم من الشباب المسالم وغير الممارس للعنف، وللأسف نراهم خلف القضبان، وهذا المشهد أيضا محزن ومخزٍ بالنسبة لنا، وفيه خطورة وسيجد الشباب مرة أخرى طريقا مسدودا بينه وبين الدولة، وبالتالى يلجأ للعنف، فى حين أننا نحاول بناء قنوات مفتوحة بين الشعب والحكومة، وأن تكون هناك مشاركة حقيقية فى صنع واتخاذ القرار ورسم السياسات العامة للدولة، بالإضافة إلى التفاعل الصحى بين الآراء المختلفة، لنصل إلى ما هو صالح لهذا البلد، فإغلاق هذه القنوات يولّد العنف وانعدام للثقة، كما يولد فئات غاضبة، ويمنعنا من الوصول إلى نتيجة التفاعل الصحى الذى يكمن فى التنمية الأفضل للمجتمع وتحديد متطلباته واحتياجاته، ويخلق حالة من الثبات «محلك سر» ويجعل البلد واقفا كما هو، فهناك من يقرر بشكل أحادى دون تفاعل حقيقى، فيظهر هذا التفاعل شكليا فقط، دون أن يأخذ من المجتمع، ويدرس مشاكله ليصل إلى حلول بشكل مشترك مع الأحزاب والقوى السياسية، فتأتى القرارات فوقية، بغض النظر هل هى صالحة أم لا، وهذا هو شكل الحكومة الجديدة التى تدفع الفئات المهمشة لليأس، وتجرهم للعنف، بما تحبط إمكانية التغيير والتقدم بالمجتمع للإمام، وتحدث فقرا فى توليد الأفكار، فيبتعد البعض عن المشهد الذى يرفض سياسة العنف، مقابل مؤسسات الدولة، ومن ثم تصبح المشاركة شكلية. وعلى سبيل المثال: الحوار على قانون الانتخابات البرلمانية، فكان هناك استماع بشكل شكلى، ودعى إليه أفراد غير مؤثرين فى الحياة السياسية، أغلبهم ذوو مصالح للنظام الفردى، وفى النهاية تصبح الديمقراطية صورة شكلية بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية المنشودة، فالحكومة هنا تعتمد على حكم أحادى الجانب والرؤية، وليس الرؤية الجماعية التى تحدث تغييرا مقبولا.
■ فى هذا السياق هل فكرة المصالحة مع جماعة الإخوان مقبولة؟ وهل ستحدث فى المستقبل؟
- بشكل مطلق العنف يواجه بالقانون، والدولة ملزمة بقدر الإمكان أن تقلل من الأضرار الجسدية، رغم أن هذا يأتى على حسابها، فهكذا تُصنع البلاد وعليها أن تحتويه، وتواجهه، ودائما تحاول أن تحافظ على عدم الاتساع، ففكر الإخوان يواجه بالفكر، وليس بالعنف، وذلك من أجل محاصرة ظاهرة العنف بطريقة ما ومحاصرة الفكر بطريقة أخرى، وليس جميعهم بالعنف، حتى لا تتسع أرضيتهم، فندخل فى دائرة الانتقام، بما يخلق مؤيدين ومتعاطفين، ويتحولون إلى ضحية أمام الداخل والخارج. ومن الذكاء أن يتم التعامل بشكل استباقى، دون عمليات للقبض العشوائى، فتتسع أيضا دائرة الغضب والمتضررين، على ألا يتم تلفيق تهم دون أدلة، ومن هنا لا نستطيع الحديث اليوم عن مصالحة، فالدم كثير بعد عمليات تفجيرية كثيرة، من خلال دعوات لهذا المشهد المتكرر، ولا بد من حدوث مواجهة فكرية ومراجعة من قبل جماعة الإخوان وتحقيق عادل من قبل الحكومة، فالمصالحة فى كل بلاد العالم سبقت المصالحة السياسية والاجتماعية المكاشفة والمصارحة والمحاسبة، وبالتالى يقبل الشعب المصالحة، بعدما يرى محاسبة الأطراف التى تورطت فى أحداث العنف وإراقة الدماء، لكنى لا أعتقد أن المصالحة ستحدث الآن.
■ ماذا عن الوضع فى الجامعات؟ وهل هناك اختلاف بين الحركة الطلابية فى السبعينيات واليوم؟
- من المؤكد أن المشهد الراهن فى الجامعات جزء من المشهد السياسى العام، من حيث دخول أطراف أخرى فى الصراع، وأعتقد أن عددا كبيرا من الطلاب الذين قاموا بمظاهرات داخل الجامعات ليس جميعهم عناصر من الإخوان، فهم إما جزء متعاطف ضد استخدام العنف المفرط، أو ضد قوانين بعينها، ومنها قانون التظاهر، فكل طرف له أسبابه ومبرراته للغضب، وتجتمع أغلبها فى مظاهر ومشاهد معينة يستفيد منها الإخوان فى النهاية، ويتحول الموضوع كأنه عملية منظمة من الإخوان. وتكرار القمع تجاه فئات معينة يرهب مجموعة، ويزيد مجموعات وفئات أخرى تعنتا. والجميع يعلم أن الجامعة دائما تجمع للتعبير عن المجتمع.
لكن الحركة الطلابية فى السبعينيات كانت مختلفة تماما عن الأيام التى نعيشها، حيث كانت القضايا المحورية والمرتبطة بها هى تحرير الأرض والديمقراطية، فالقضية الوطنية كانت أيضا أساسية، ولم يكن لجماعة الإخوان طرف فى مشهد المعارضة نهائيا، فقد كانوا جزءا أساسيا فى التحالف مع النظام والأمن داخل الجامعة، ولا أعتقد فى أى لحظة من اللحظات أن الإخوان أنهت التعامل مع الأمن، ففى كل مرحلة تحدث اتفاقيات، إما تتراجع، وإما تتزايد، وفى السنوات الأخيرة استطاعوا خلق أرضية، واتسعت قاعدتهم، وجزء منها داخل الجامعة، وفى رأيى أن تلك الأرضية تتراجع لصالح قوى أكثر ديمقراطية، وفى كل الأحوال فقضية الطلبة الآن هى العدالة وترسيخ قواعد الديمقراطية التى تندرج تحتها استقلال الجامعات ورفض الحرس الجامعى فضلا عن القضايا الداخلية المتمثلة فى الكتاب الجامعى.
■ ما تعليقك بشأن قرار حظر حركة 6 إبريل وإعلان «تمرد» تأسيسها حزبا؟
- يجب التمسك بقضية الحق فى التنظيم، خاصة بعد ثورة انتزعت الحق فى التظاهر والاحتجاج والتعبير بدم الشعب، ولكن عندما يأتى اليوم الذى يتم فيه حظر نشاط مجموعات شبابية، فهذا يعنى أن هناك خطرا شديدا، وبالتالى سيأتى الدور على النقابات المستقلة التى تشكلت حديثا، وسيتم توجيه العداء لها، ولن يتوقف عند هذا الحد، بل سيتم الضغط على الأحزاب والمجتمع المدنى، وبدلا من سن تشريعات وقوانين للتشجيع على الوجود القانونى تتم محاربتها، وهذا توجه جديد للحكومة اليوم، لذا نستطيع القول اليوم 6 إبريل، وغدا الدور على الأحزاب.
أما بالنسبة لحركة تمرد التى أعلنت عن تأسيس الحركة الشعبية العربية، فلا بد أن نعرف تكوينها، وتصورى أنها مجموعة شبابية دعت لفكرة عبقرية ساندها الشعب والأحزاب، ولا أعلم هل لديها قوام تشكيل الحزب ومن أين تصنعه أم لا، رغم ترحيبى بإنشاء الأحزاب، والنجاح والفشل مرهونان بتجربتها فى المرحلة المقبلة.
■ البعض يرى أن قانون التظاهر ملائم للفترة الراهنة فما رأيك؟
- سنظل متمسكين بالحق فى إسقاط هذا القانون المعيب الذى تم استغلاله لإصدار أحكام مشددة بالسجن والغرامة بحق عدد كبير من شباب ثورة 25 يناير، الذين ساهموا كذلك فى موجتها الثانية فى 30 يونيو، وهذا القانون يمثل تراجعا واضحا عن المكتسبات التى حققها الشعب فى ثورته، ومن بينها تأكيد حق التظاهر والتجمع السلمى وضرورة احترام حقوق وكرامة المواطن المصرى، كما يتناقض القانون مع مواد الدستور التى أقرها الشعب، التى تتضمن حق التظاهر السلمى بالإخطار، وليس منح وزارة الداخلية سلطات واسعة لتقييد حق التظاهر، وبالتالى نحن نطالب بإصدار عفو رئاسى بحق كل شباب ثورة 25 يناير، الذين صدرت ضدهم مؤخرا أحكام نهائية بالسجن والغرامة بموجب هذا القانون.
■ هل الثورة مستمرة كما يقول البعض؟
- أعتقد أن الثورة واحدة، ومن خرج فى 25 و28 يناير 2011 ضحوا بحياتهم، من أجل تغيير النظام، ولم يكن يقف وراءهم أحد، ولم يعرفوا مصيرهم، أما فى 30 يونيو فخرج المواطنون، وهم مؤتمنون على أرواحهم ومدعومون من الجيش والشرطة، وهذا لا يعنى عدم احترامى لـ30 يونيو، فقد كان حزب الدستور واحدا من الأطراف الفاعلة، وتعاون مع حركة تمرد. ومن هنا أؤكد أن الإخوان لم يكونوا داعمين لها بل وقفوا ضدها، وتحالفوا مع نظام مبارك لتقسيم المقاعد البرلمانية، وكانت راضية بهذا الإطار السياسى، أما الثورة التى أعرفها، وهى الرغبة فى التغيير والتطور والنمو وخلق حياة كريمة للشعب، فلا يمكن أن تنتهى، فمن الممكن أن تمر بلحظات تتراجع الرغبة فى التغيير أمام رغبات الاستقرار والأمان وأخذ النفس، وهو ما نشهده الآن.
■ مع من يتحالف حزب الدستور فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
- قضية التحالف ما زالت مفتوحة ومحل نقاش، حيث يجرى اللقاء مع الأحزاب حول قانون الانتخابات البرلمانية الذى يتم تمريره دون تغيير، وكنا نميل لإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة، لكن يتم الآن فرض النظام الفردى لمجىء برلمان مصالح ومشابه لبرلمان 2010 يمتلك الأموال وغير سياسى، ويجعل الحكومة مطلقة اليد فى إخراج القوانين.