الكرة تتهادى خارج خط الملعب، وصبي صغير يركض وراءها، في أرجاء استاد «سامي ين» ملعب فريق جالاطا سراي التركي، الملقب بالجحيم، ليستحوذ عليها، ويعاود ركلها داخل الملعب لاستكمال المباراة، يقف الصبي، ويشاهد «جورج هاجي» يتلاعب بمدافعي الخصم، ويرسل بالكرة للهداف هاكان شوكور الذي يحرز هدفا يشعل حماس الصبي فينسى إحضار الكرة، ويتفاعل فرحا مع الهدف.
لم يكن يعلم الصبي «جامع الكرات »، أثناء ركضه لإحضار الكرة وتفاعله وحماسته مع كل هدف ومراوغة لـ«مارادونا البلقان»، أن هناك علاقة ستنشأ بينهما تحمل الكثير من التقلبات، ولم يكن يتصور أيضا أن كثرة ركضه وراء الكرة ربما خلقت علاقة بينه وبينها جعلتها تحبه، وتطيعه أينما لعب، وجعلت منه أحد أمهر لاعبي العالم، وأوصلته لأبعد مما وصل إليه ملهمة ومثله الأعلى هاجي: «نهائي دوري أبطال أوروبا».
هذا الصبي هو آردا توران، التركي لاعب خط وسط أتلتيكو مدريد، صاحب الـ 27 عاما، وأحد أهم أعمدة الفريق الأسباني والمتألق بشدة هذا الموسم وصاحب هدف رصاصة الرحمة في ملعب ستامفورد بريدج في شباك تشيلسي الذي أكد صعود الأتليتي لنهائي لشبونة .
بدأ آردا توران مشواره مع الساحرة المستديرة بانضمامه لأحد الاندية الصغيرة ويسمى Bayrampasa Altintepsispor ، والذي يقبع في أحد ضواحي العاصمة التركية أسطنبول مسقط رأس اللاعب وكان حينها لم يبلغ العقد الأول من عمره، وبعد أن قدم مستويات رائعة لمدة 3 سنوات أوصى المدرب التركي الشهير فاتح تريم إدارة جالطا سراي بالتعاقد مع اللاعب الموهوب والذي انتقل بالفعل للنادي العريق ليبدأ مشواره نحو المجد الأوروبي ، وتبدأ أولى خطوات العلاقة بينه وبين مثله الأعلي جورج هاجي.
كان للمدير الفني واللاعب الكبير هاجي الدور الأبرز في اختيار «توران» ليلعب للفريق الأول لجلاطا سراي وهو في الـ 17 من عمره، حيث اختاره سنة 2004 لينضم لتشكيلة الفريق بعد أن نال أعجابه ، وبالفعل أشركه في المُباراة النهائية للدوري المُمتاز ( التركي ) أمام فريق «دينيزليسبور»، وساهم في إحراز اللقب ،وقدّم آنذاك موسما رائعاً في بطولة الكأس وكذلك بطولة الدوري الممتاز، ففي المُجمل لعب آردا 6 مُباريات لكنه لم يسجل أي هدف.
وكما كان لهاجي الدور الأبرز في انضمام «أردا» للفريق ،كان أيضا أحد اهم اسباب تركه له وذلك بعد أن أصر على طرد اللاعب وإعارته لفريق Manisaspor الصاعد للدوري الممتاز من الدرجة الثانية عقابا له وذلك بعد الفضيحة التي تعرض لها اللاعب الموهوب إثر تصويره في وضع مخل بأحد المنتجعات مع صديقته عارضة الأزياء الشهيرة «باريس هيلتون»، مما أثار استياء هاجي وإدارة النادي.
قضى «آردا» موسما جيداً مع فريقه الجديد، ولعب في أكثر من مركز منهم مركز الظهير الأيمن وصانع الألعاب ، ثم انضم حينها للمنتخب التركي وشارك في بطولة أوروبا تحت 19 سنة وقدم مستويات رائعة عجلت بعودته مرة أخرى لفريقه القديم ليصبح أحد أكثر اللاعبين المؤثرين في تشكيلة النادي التركي وحمل القميص رقم 10 وهو نفس القميص الذي كان يرتديه هاجي، كما أصبح أصغر قائد لجالاطا سراي في موسم 2009 - 2010 ، وفاز معه بالدوري الممتاز سنة موسم 2007 - 2008 ثم حصل على أفضل لاعب في تركيا لثلاث سنوات 2008 و2009 و2010 وأفضل ممرر في الدوري التركي سنتي 2008 و2010 ، ثم اختاره المدرب فاتح تريم لتشكيلة المنتخب التركي الذي سيخوض نهائيات اوروبا 2008 بسويسرا والنمسا وقدم بطولة رائعة مع المنتخب التركي الذي كان مفاجأة بكل المقاييس ورشح كأفضل 100 لاعب صاعد في نفس السنة حسب مجلة دون بالون الإسبانية .
وعن حبه لـ«مارادونا البلقان» قال آردا توران لصحيفة رومانية محلية : «كنت أراقب هاجي كثيرا وكان مثلي الأعلى، كان يفكر فقط بالفوز وقوي جدا على الكرة ولا يخسرها بسهولة ، المباراة عنده 90 دقيقة، وليس قبل ذلك، ويجري خلف الكرة لمسافة طويلة دون أن يلمسها أكثر من مرتين.. إنه رائع».
في صيف 2011 انتقل «أردا» لنادي أتليتكو مدريد الإسباني ليبدأ مرحلة جديدة على طريق المجد الأوروبي ليحمل ايضا القميص رقم 10 ويصبح من أعمدة الفريق الذي سيهز ارجاء أوروبا فيما بعد .
وعلق جورج هاجي على انتقال اردا للنادي الإسباني ممتدحا اياه في تصريحات لصحيفة «إلموندو ديبورتيفو» قائلا : «عام 2005 وجدته وهو صغير ووضعت عيني عليه، كان يملك شخصية فريدة منذ صغره مختلفة تماما عن زملائه ، شخصية جعلته يظهر أكبر منهم»، وتابع: «أتلتيكو نادي ذكي ويعرف كيف يختار صفقاته، وهذا اللاعب واحد من أفضل صفقاتهم، لأنه لا يفقد الشهية للعب أبدا، كما أنه موهبة حقيقية».
تألق حفيد العثمانيين في بلاد الأندلس جعل منه عنصرا مهما في طريقة لعب الـ «لا روخي بلانكوس» كما يلقب أتليتكو مدريد وساهم في الطفرة النوعية التي حدثت لتكتيكات الفريق بقيادة المدير الفني الأرجنتيني دييجو سيميوني،كما أنه شارك معهم في الفوز ببطولة الدوري الأوروبي موسم 2011 - 2012 كما انتزعوا بطولة السوبر الأوروبية عام 2012 من أنياب أسود تشيلسي بهزيمة قاسية بـ 4 أهداف ، ثم بطولة كأس إسبانيا لعام 2012 - 2013 وأخيرا البطولة الأغلي والتي غابت لمدة 18 عام عن ملعب الفيسينتي كالديرون معقل الفريق المدريدي بطولة الدوري الإسباني لسنة 2013- 2014 ليصبح اول لاعب تركي يفوز بالليجا.
وعادة ما يكون «توران» لاعب الكواليس في أتليتكو من خلال لعبه دوراً أساسياً في الرسم التكتيكي للمدرب «سيميوني» الذي يعول عليه كثيراً في الترفيع والتخفيض في نسق المباراة وتكوين الهجمات كما يمكن القول إن فارس الأناضول هو الناطق الرسمي باسم المدرب الأرجنتيني في المستطيل الأخضر ، هكذا ذكر احد التقارير عن أسلوب ونسق لعب أردا.
يضرب «آردا» يوم السبت في نهائي لشبونة بين أتلتيكو وريال مدريد موعدا جديدا مع التاريخ فمن خلال مشاركته في دوري أبطال اوروبا لـ 637 دقيقة سجل خلالها 4 أهداف وصنع هدفاً يصبح آردا توران أول لاعب تركي يلعب في نهائي البطولة ، وبذلك يتبقى لـ«جامع الكرات» أن يتأهل مع منتخب تركيا لكأس العالم حتى يكون في مكانة مثله الأعلى جورج هاجي ، أو قد يكون أفضل، لأنه ما زال في الـ27 من عمره .
ويقول آردا توران عن مباراة النهائي المرتقبة على ملعب "إستادو دا لوز" الملقب بملعب النور : «أنا لا أعد بأن ألعب جيدا دائما ، ولكنني سأعطي كل ما لدي لهذا القميص».