يقولون لنا أنتم لا تتعاطفون إلا مع من تعرفونهم، والواقع أننا نتعاطف مع كل مظلوم نعرفه أو لا نعرفه، لكن الحقيقة الإنسانية المؤكدة أن وجعنا في ذوينا ورفاقنا أشد ألما ووجعا لأننا نعرفهم وعايشناهم ونرى بشكل مباشر تأثير الظلم الذي تعرضوا له على أهليهم وعليهم.
ويزداد وجعنا إذا كان المظلوم أحد المدافعين عن الغلابة والمظلومين لأنهم يفقدون نصرته لهم وسعيه على حوائجهم، لذلك فإلقاء ماهينور المصري خلف قضبان السجون لمدة عامين بلا جرم ارتكبته سوى الدفاع عن الإنسان في هذا الوطن هو فجيعة تنضم لسلسلة طويلة من المظالم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه السلطة في حق شباب هذا الوطن واستهداف ثواره.
نقول دوما لكل المزايدين: ليس لأحد حصانة ولا استثناء لشخص مهما كان طالما خالف القانون، ولكن ماذا لو كان القانون الذي يحاكم به قانونا جائرا تم فرضه عنوة على الشعب من قبل سلطة غير منتخبة والأكثر مدعاة للسخرية أن هذه السلطة جاءت عبر التظاهر الذي صنعه، وقام به من تحبسهم وتنكل بهم الآن، استخدموا التظاهر سلما للوصول للسلطة ثم كسروا هذا السلم حتى لا تهتز مواقعهم.
يتمادى بعضهم في الانحطاط الإنسانى والشماتة بالمظلومين، ويقول إن كل الدول الديمقراطية بها قوانين لتنظيم التظاهر، وأنتم تريدون الفوضى وهذه تهمة سخيفة لأننا من البداية نوافق على وجود قانون ينظم حق التظاهر والاحتجاج السلمي بمختلف صوره، ولكن ما هو شكل هذا القانون وما عقوباته وما الحريات التي يقيدها ومن الذي يضعه بالأساس؟
يقولون أيضاً إن قانون التظاهر كان لحماية مصر من الإرهاب فهل توقف الإرهاب؟ وهل الإرهابيون يتظاهرون أم يقتلون ويغتالون ويفجرون؟ نفس هؤلاء المبررين الذين يتحدثون عن احترام القانون لا تسمع أصواتهم حين سالت دماء الطلاب السلميين في جامعاتهم ولا حين فتحت المعتقلات أبوابها للآلاف وكثير منهم تم اعتقالهم عشوائيا وتلفيق اتهامات عبثية لهم مثل الشاب شريف فرج المدرس المساعد بكلية الفنون الجميلة الذي اتهموه بقتل ٣٧ شخصا وحرق كنيسة وسرقة بنك ومثله كثيرون تم اختطافهم من على المقاهي ومن الشوارع وغيبوا خلف الظلام ثم ظهر بعضهم لتقدمه السلطة للرأي العام كمجرم خطير وإرهابي عتيد يعترف رغما عنه أنه سفاح القرن وداهية الزمان ومستر إكس الذي استطاعوا الظفر به وتخليص الوطن من شروره !
أسوأ سلطة هي التى تجعل القانون أداة لتصفية معارضيها والتنكيل بهم، إنها لا تهين القانون فحسب بل تزلزل أركان العدالة، وتحدث بها شروخا وتصدعات لا تنمحى من وجدان الجماهير التي تكفر بعد قليل بالقانون وتنفر من العدالة وتبيح لنفسها أن تأخذ حقها بيديها، إننا نحتاج لثورة تشريعية على ترسانة القوانين الحالية التي تعاقب من وقف سلميا في الشارع يطالب بحق مظلوم بنفس العقوبة التي نالها سارقو الأوطان الذين نهبوا قوت هذا الشعب في قصورهم وعالمهم المغلق.
من سرقوا الأوطان على مدار عشرات السنين وقتلوا الشباب وأطفأوا نور عيون أحمد حرارة وغيره لم تنل منهم العدالة حتى الآن وأفلتوا من العقاب، بينما يتم تجريم الثوار وملاحقتهم انتقاما من مشاركتهم في ثورة يناير مع تجميل وجه القتلة المجرمين وربما تصل عبثية المشهد للحظة التي يُخرجون فيها جثث الشهداء ويعاقبونهم على جريمة الاستشهاد من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
إننا نريد الحريـة لكل المصريين ونريد العدل لكل الناس، أحبابنا وخصومنا، من نعرفهم ومن لا نعرفهم، من أنصفونا ومن ظلمونا، لا نطمع إلا في حياة طبيعية يأمن فيها الإنسان على نفسه من الظلم والقمع والانتقام بسبب آرائه، نريد نظاما يحترم معارضيه قبل مؤيديه، نريد سلطة لا تطارد أصحاب الرأي ودعاة حقوق الإنسان، إذا قرأت هذه المطالب لا تعتبرها مطالبات ولا مناشدات، لن نناشد أعداء الحريـة أن يمنحونا الحرية، وإنما نخاطب أهلنا والأجيال الأكبر التي تردد فزاعات وأكاذيب أبواق السلطة التي تتهم الشباب بأنهم مرضى بالاحتجاج والرفض ويريدون صناعة الفوضى.
ماهينور ستتألم لكنها لن تنكسر، فمن عاشت حياتها تدافع عن حقوق الغلابة والمظلومين عمالا كانوا أو طلابا، ومن كانت في مقدمة الصفوف في كل لحظة ثورية ودفعت الثمن على مر الأنظمة رغم سنوات عمرها القليلة ومن كانت تسعى لتوفير حياة كريمة للاجئين، ومن تصدت للظلم الواقع على أي شخص أيا كان انتماؤه تعرف في قرارة نفسها أنها تدفع ثمن ثباتها على مواقفها وتمسكها بمبادئها، ولو ركعت وطبلت مثلما فعلت أخريات في نفس عمرها لكان مكانها اليوم في مقدمة الصفوف التي ترتبها السلطة وتلمعها.
إسقاط قانون التظاهر وإيقاف العمل به وإلغاء عقوباته الماضية لم تعد مطلبا ثانويا بل فرض عين على أنصار الديمقراطية والمدافعين عنها بالتوازي مع كل المسارات الأخرى التي لن يتحقق التحول الديمقراطي بدونها، وكل ما نكتبه عن ماهينور ينطبق على كثيرين غيرها لا يعرفهم أحد ولم يكتب عنهم أحد ولكنهم ضحايا للظلم ويحتاجون من يناصرهم ويرفع مظلمتهم.
لا تغرقكم الأحداث المتلاحقة عن تذكر المظلومين ومناصرتهم، بينما نحن ننام في بيوتنا كل ليلة، هناك عيون أخرى لم تنم لأنها تصرخ خلف أسوار الظلم وتئن بسبب ما حاق بها من قهر وظلم.
توقفوا عن إحكام الغلق للقدر التي تغلي ويفور ما بداخلها، دعوها تتنفس، إذا لم تجد ما تتنفسه ستنفجر وتحرق وجه من يمنع تنفسها، لا تطمئنوا لإحكام السيطرة، فهذه سنة الله في الكون أن الضغط يتبعه الانفجار، وتذكروا يوم قال أحد الطغاة (خليهم يتسلوا) لم تمر أيام إلا وهم يبلغونه بأن الأمر قد انتهى (وأن الشعب ركب يا فندم).
https://twitter.com/alnagar80