x

سمير فريد «العودة إلى المنزل»: تحفة من الصين ولكن خارج المسابقة سمير فريد الأربعاء 21-05-2014 22:26


جاء الفيلم الصينى «العودة إلى المنزل»، إخراج زانج ييمو، تحفة رائعة، ولا أحد يدرى لماذا عرض خارج المسابقة رغم جدارته للفوز بالسعفة الذهبية وأحسن ممثلة كونج لى وأحسن ممثل شين داومينج، وغيرها من جوائز المهرجان.

إنه الفيلم الجديد لفنان السينما الصينى العالمى زانج ييمو، الذى أصبحت السينما فى الصين ليست كما كانت قبل أن يخرج أول أفلامه «الذرة الحمراء» عام 1987، وكلها من الأفلام الروائية الطويلة، فقد فاز بالدب الذهبى فى مهرجان برلين 1988، وكانت أول جائزة ذهبية دولية تفوز بها السينما الصينية. وطوال أكثر من عشرين سنة، أخرج ييمو الذى ولد عام 1950 العديد من التحف، وكانت كونج لى ممثلة الدور الأول فى أغلب هذه الأفلام، من الفيلم الأول حتى الفيلم الجديد، وهو فيلمها الثلاثون، وسابع فيلم يعرض لها فى مهرجان كان.

ومن المعروف أن السينما فى الصين، التى يحكمها الحزب الشيوعى منذ عام 1948 وحتى اليوم، ومثل السينما فى ظل حكم الحزب الواحد فى أى بلد، يغلب عليها إنتاج أفلام الدعاية السياسية أو الأفلام «الموجهة» بصفة عامة، ولكن مع بداية «الوضع الخاص» للنظام السياسى فى الصين منذ ثلاثة عقود، بدأت أيضاً سينما جديدة خرجت بها إلى العالم بعد أن كانت لا تتجاوز حدودها، وكان زانج ييمو من رواد هذه السينما الجديدة.

ولم يكن التجديد، مثل أى تجديد حقيقى، بالسلب، أى مجرد رفض أفلام الدعاية السياسية، وإنما فى التعبير عن موقف نقدى، ولا يعنى ذلك نقد «الحكومة» أو «النظام»، وإنما الانحياز إلى الإنسان وتأكيد حقه فى الحياة والحرية، والتعبير عن ذلك الموقف بأسلوب سينمائى مستمد من الثقافة الوطنية. وبالطبع، كان لابد من الاصطدام مع الرقابة الحكومية، وبينما فضّل البعض الهجرة أو العمل خارج الصين، ظل زانج ييمو فى الصين يتصارع مع الرقابة، وينتصر أحياناً ويهزم أخرى، ولكنه لا يغادر ولا يتوقف عن الإنتاج. ويعلمنا التاريخ أن أى فيلم طالما تم إنتاجه، سوف يعرض يوماً ما كاملاً كما صنعه صاحبه.

الدفاع عن الإنسان

كان ما عرف بـ«الثورة الثقافية» فى ستينيات القرن الميلادى الماضى من صفحات القهر الكبرى فى تاريخ الصين، وقد سبق أن عبر زانج ييمو عن موقفه ضد هذه «الثورة» فى أكثر من فيلم، وكذلك فى فيلمه الجديد «العودة إلى المنزل». ولكنه فى هذا الفيلم يتجاوز إدانة هذه الثورة، بل يستخدمها للدفاع عن حرية الإنسان فى أى مكان، وليس فقط فى الصين.

هذه قصيدة من أعظم الأعمال الفنية التى تدافع عن الإنسان، وهى من الشعر السينمائى الخالص، رغم أنها عن رواية «المجرم ليو يانشي» للكاتبة يان جيلنج، ولا غرابة أن يكون كاتب السيناريو الشاعر زيوجنيزين، بل إنه عمل صنعته مجموعة من الشعراء بقيادة شاعر، كل فى مجال إبداعه، من مدير التصوير زاو زاودينج الذى صوره للشاشة العريضة بالألوان إلى مؤلف الموسيقى كيوجانج شين الصينى الأشهر فى العالم، ومينجييكونجومو زانج اللذين قاما بالمونتاج. ويصل الأداء التمثيلى لكل من كونج لى وشين داومينج إلى مصاف الشعر أيضاً، أو التمثيل كعزف موسيقى، وكان صمتهما أغلب زمن العرض (111 دقيقة) بلاغة تفوق الكلمات.

الحزب أهم من العائلة

عناوين الفيلم على لقطة متوسطة نرى فيها وان يو (شين داومينج) نائماً فى زاوية ضيقة بالقرب من قضبان قطار، ويمر القطار الذى لا نرى منه سوى العجلات الحديدية ولا نسمع سوى صوتها العنيف المدوى. وفى المشهد الأول بعد العناوين تشترك الفتاة دان دان (زانج هيوين) فى تدريبات الرقص تمهيداً لاستعراض «مسيرة النساء الحمراء»، وتبدو مثل «الروبوت»، أى الإنسان الآلى، هى وكل الفتيات المشتركات فى العرض.

وفى المشهد الثانى، يتم استدعاء دان دان ووالدتها يان شى (كونج لي) إلى مكتب «المدير»، الذى يبلغهما أن زوج يان ووالد دان دان هارب، وعليهما الإبلاغ عنه إذا اتصل بأى منهما لأن «الحزب أهم من العائلة»، وتقول الأم إنه غائب عنهما منذ عشر سنوات.

وفى الليل يأتى الأب، ولا تفتح يان الباب له لوجود الشرطة فى الشارع، فيكتب لها رسالة بأن تلتقى به فى محطة القطار فى الثامنة صباحاً. وتعرف الابنة، فتبلغ عن والدها حتى تحصل على الدور الرئيسى فى الاستعراض، وهى لا تعلم أن القرار قد صدر بحرمانها بسبب موقفه، وتدرك الأم ما فعلته ابنتها. وفى مشهد من أعظم مشاهد السينما (ماستر سين)، وفى زحام محطة القطار، تحاول الأم تحذير الأب، وتراقب الابنة الموقف من بعيد، وتأتى الشرطة وتطارده وتقبض عليه، وتضعه فى سيارة حديدية سوداء تنطلق به بعيداً، والناس جميعاً يتفرجون.

بعد ثلاث سنوات

يستغرق هذا الجزء من الفيلم نحو ثلث ساعة، ثم يكتب على الشاشة «بعد مرور ثلاث سنوات على نهاية الثورة الثقافية»، فنعرف أن ما شاهدناه كان فى زمن تلك الثورة، وتبدأ دراما الفيلم بعد هذا المدخل الذى يضع أسس الخيوط التى سوف نتابعها حتى النهاية.

يعود الأب إلى المنزل، فيجد الأم تناديه بـ«السيد فينج» ولا تتعرف عليه، ويجد الابنة وقد انفصلت عن أمها، وتعيش وحدها، ولكنها تتردد عليها، فيسكن بالقرب من منزله، ويحاول علاج زوجته وحبيبته طوال الفيلم، ولكن من دون جدوى. ويتجلى الجمال الإنسانى فى هذه المحاولات فى أكثر من (ماستر سين) لا ينسى.

وتصل الدراما الشكسبيرية إلى ذروتها عندما تعترف الفتاة لوالدها بأنها التى أبلغت عنه، فيرد أنه يعرف ذلك، فى تعبيرٍ عن إدراكه لما يحدث للإنسان فى ظل القهر، وعندما يعرف أن سر مرض زوجته أنها حتى تحول دون إعدامه، استسلمت للسيد فينج المسؤول الحزبى فى الحى، وعندما يذهب للانتقام منه، يعرف من زوجته أنه قد اعتقل بدوره بعد نهاية الثورة الثقافية.

وبعد سنوات كثيرة

كانت يان شى تنتظر عودة وان يو فى محطة القطار فى اليوم الخامس من كل شهر كما أبلغها فى رسالة بعث بها من المعتقل. ويتكرر هذا المشهد بنفس التفاصيل أكثر من مرة. وقبل دقائق من المشهد الأخير يكتب على الشاشة «بعد سنوات كثيرة»، لنرى يان شى وقد هرمت ولاتزال فى الانتظار، ولكن بجوارها وان يو ينتظر بدوره.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية