في الأول من شهر مايو الجاري نشرت «المصرى اليوم» موضوعا بعنوان «للمرة الأولى: رسائل المرأة إلى عدو المرأة» وقد كتبه من باريس الدكتور أحمد يوسف وهو أحد تلاميذ توفيق الحكيم الذي يدور عنه الموضوع وقد جاء في السياق أن إحدى صالات المزادات في باريس تستعد لعرض مجموعة كبيرة من المخطوطات والرسائل والصور النادرة لعملاق المسرح العربى توفيق الحكيم، وذكر الموضوع أن من بين الرسائل التي تلقاها الحكيم من زعماء عرب وكتاب عرب وأجانب معروفين رسالة من كاتبة سعودية هى الأميرة رقية حمود الشبيب تدعمه فيها في معركته الفكرية في مواجهة الإسلاميين وعلى رأسهم الشيخ الشعراوى، إثر مقالاته في الأهرام التي جاءت تحت عنوان «حديث مع الله» في عام 1983.
وقد جاءته رسائل من نساء أخريات من بلدان عربية أخرى وتظل رسالة الأميرة رقية هى الأقوى والأجرأ وكان الحكيم قد اضطر، في مواجهة العاصفة العاتية، أن يغير عنوان مقالاته من «حديث مع الله» إلى «مناجاة مع الله» وكانت رقية قد التقت توفيق الحكيم في مصر بناء على رغبتها، وكان هذا في عام 1984.
وقد علمت «المصرى اليوم» بوجود الأميرة رقية حمود الشبيب في مصر في أحدث زياراتها لها والتقتها، واستعادت معها ملابسات الرسائل واللقاء مع الكاتب الكبير.
القاصة وكاتبة المقال والكاتبة في مجال أدب الأطفال رقية حمود الشبيب.. كتب الدكتور يوسف إدريس عن أولى مجموعاتها القصصية يقول: «كنت أقرأ نوعًا آخر من الكتابة لاهو بالقصة ولا هو بالقصيدة، لا هو حكاية ولا هو خواطر متناثرة، نوع جديد وغريب من الكتابة ابتكرته المرأة العربية القابعة بعيدا.. فهى تريد أن تقول ولا تريد أن تقول، تريد أن تعبر ولا تريد أن يدرك تعبيرها وهى تقدم (القصة من خلف الحجاب)».
السعودية رقية حمود الشبيب التي فاجأت الجميع وهي مجرد شابة صغيرة في مقتبل العمر بوقوفها مع الكاتب الكبير توفيق الحكيم، حين خاض معركة فكرية واجه فيها رموزًا دينية وعلى رأسهم الشيخ الشعراوى، التقتها «المصرى اليوم» أثناء زيارتها الأحدث لمصر، وتحدثت معها عن قصة دعمها لتوفيق الحكيم في معركته واللقاء الذى تم بينهما والتى أوصى الحكيم على أثرها بالاهتمام بالكاتبة الكبيرة.
المشكلة التي واجهت «المصري اليوم» أن الأميرة رقية حمود الشبيب رفضت التصوير بشكل قاطع كما رفضت نشر صورة لها، وعن رسالتها الفريدة والجريئة لتوفيق الحكيم ولقائها به فإنها تعتبرهما محطة فارقة في حياتها ومسيرتها الأدبية.
تقول: «دائمًا ما أرى في مصر مركزًا للتنوير في العالم العربى، ومن خلال قراءاتي لتوفيق الحكيم تحول بالنسبة لى إلى رمز فهل كاتب كبير بهذه القامة يعامل بهذه الطريقة ويتكالب عليه الظلاميون وكيف يكون الرجل بين أيدينا ولا نشعر بقيمته ولا نقدره ونهاجمه هل هذه هي الجائزة التى نعطيها له؟ الحكيم قامة فكرية كبرى تحظى بتقدير واحترام العالم العربى والغربى وبالأخص في فرنسا والرموز الكبرى مثل الحكيم لا يتعين المساس به فلم تعرض لذلك الهجوم أثناء المعركة الشهيرة التى هاجمه فيها رجال الدين ومنهم الشيخ متولى الشعراوى بعد سلسلة مقالات الحكيم في الأهرام «مناجاة إلى الله»، أرسلت له رسالة وقلت له فيها «الأشجار تموت واقفة» وطلبت أن ألتقيه وفوجئت باهتمامه برسالتي بل وأرسل لى رسالة جاء فيها: «أنا تلميذ الأستاذ توفيق الحكيم، وطلب منى الرد عليك وهو يشكرك وإذا حضرت للقاهرة يمكن أن تلتقيه».
بعدها بالفعل حضرت للقاهرة في إحدى العطلات الدراسية واتصلت بالأهرام وعرفت أنه في مستشفي المقاولون العرب وأنا أعتبر الحكيم أستاذي كاتبا وإنسانا، وقد شجعنى وتبنى موهبتى سواء في مصر أو فرنسا وتحمس لى كثيرا، وأذكر أيضًا في هذا السياق أن الحكيم أوصى تلميذه الكاتب الكبير الدكتور أحمد يوسف أن يتصل بى وقال له عنى إنني المرأة العربية الوحيدة التي ساندته في معركته مع الشيخ الشعراوى، كما أوصاه الحكيم بأن تنشر أعمالي الأدبية في مصر وفرنسا وأن يهتم بي، ويرعى موهبتى ولم أكن أصدرت كتابًا واحدًا بعد.
تم الاتفاق بيننا على لقاء آخر سواء في القاهرة أو باريس ولكن توفاه الله قبل أن يتم هذا اللقاء، ولقد ذهبت إلى باريس بعد ذلك أكثر من مرة تكريمًا لذكراه، وكانت مفاجأة سارة أن أجد رسالتى التى بعثت بها للكاتب الكبير عام 1987، وهو نفس عام وفاته، ضمن مقتنيات المعرض الذي سيقام هناك، لذا فأنا فخورة جدًا بأن الحكيم تعامل مع مراسلاتي بنفس الاهتمام الذي تعامل به مع مراسلات سيمون دى بوفوار له.
وحين حضرت للقاهرة زرته في مستشفى المقاولون العرب وقد استقبلنى الكاتب الكبير وكان الجو حارًا في شهر يوليو تقريبًا، وخرج من حجرته إلى صالون صغير ملحق بها كنت أنتظره فيه، خرج متكئًا على رجلين ومرتديًا روب ثم جلس على كرسى بجواري وشكرني على موقفي المؤيد له، وكان مندهشًا لموقفي بخاصة أننى من السعودية، البلد الذى يرى البعض أنه صدر التيارات الدينية المتشددة للعالم كله، لكن لا تنسى أن من ثبت هذه النعرات التحريمية هو نزوح الكثير من الإخوان المسلمين من مصر وسوريا للعمل كمدرسين بالسعودية، لكن التنوير بدأ يأخذ طريقه بعد الملك عبدالله ولكن التيارات التحريمية عادة ما تأتى بتعانق الأعراف مع الدين أو تطويع الأعراف بالدين.
لقد بلغ تقدير الأميرة رقية حمود الشبيب للكاتب الكبير واهتمامه بموقفها إلى حد حرصها على التردد على الأماكن التى كان يرتادها أثناء وجوده في باريس.. وهي تفسر هذا الاهتمام والتقدير بقولها: أنا أفعل هذا استحضارا لروحه وتاريخه وذكراه وهذه الأماكن ذكرها في كتابه «عصفور من الشرق» وكان هذا الكتاب دليلى في باريس فذهبت مثلا إلى مقهى «مونبارناس» ثم «ليه دوماجو» في الحي اللاتينى، وهو المقهى الذى كان يلتقى فيه مع سيمون دى بوفوار وسارتر.
وتابعت: لعل عشقى لعاصمة النور، لم يأت من فراغ وإنما من خلال قراءتى لأعماله خاصة زهرة العمر، وعصفور من الشرق الذى تحول إلى فيلم لعب فيه الحكيم دوره الحقيقى أمام نور الشريف، كما أننى خلال زيارتى الأخيرة لباريس قمت بزيارة متحف عميد أدباء فرنسا فيكتور هوجو، صاحب الرواية الشهيرة عالميا «البؤساء»، كما قمت بزيارة المتاحف التى كان يعشقها الحكيم وخاصة اللوفر، ومازلت أدين بالعرفان والشكر لتوفيق الحكيم وهو في مرقده فقد منحنى شرفًا تاريخيًا منذ أن اهتم بالرد على رسالتى وحسن استقباله، ووصيته بالاهتمام بى، مما أدى بدور النشر أن تهتم بكتاباتي وقصصى القصيرة خاصة التى تعالج قضايا المرأة السعودية والعربية بشكل عام.
ورغم ما عرف أو أشيع عن توفيق الحكيم بأنه عدو المرأة فإن رقية تقول: «لم يدر بذهني هذا الأمر على الإطلاق لأنه عملاق ورمز لا يتعين المساس به كنت أريد أن أوصل له إحساسي بالتضامن معه ضد التيارات الظلامية التي تقف ضد أي قيمة تنويرية، فضلًا عن الجماعات الإسلامية المتطرفة التي نبتت في أواخر عهد السادات وزادت في عهد مبارك».
ولم تقتصر علاقة الأميرة رقية بتوفيق الحكيم فقط، فقد التقت الدكتور يوسف إدريس، وبخاصة أنه كتب في «الأهرام» عن أولى مجموعاتها القصصية وهو لا يعرفها ولم تلتقه من قبل وكان قد حصل على مجموعتها القصصية الأولى ضمن ما حصل عليه من كتب في مهرجان الجنادرية ثم التقته بعد ذلك أكثر من مرة.
تقول رقية الشبيب: «شاءت الأقدار السعيدة أن يكتب عنى الكاتب الكبير يوسف إدريس عندما اطلع على مجموعتى القصصية الأولى وكتب عنها في جريدة الأهرام ثم في أحد كتبه كما تواصلت ولمدة طويلة مع مصطفي أمين ومازالت لدى كتبه وعليها إهداء لى، ولعلنى أذكر الآن آخر لقاء جمع بينى وبين يوسف إدريس وكان قبل وفاته بقليل وكنت في مصر واتصلت به لألتقيه فقال: (يا رقية أنا عندى اكتئاب ربيعى وحين أهدأ سأتصل بك لتأتى إلى الأهرام) لكن الأقدار لم تمهلنا وتوفي في العام نفسه.
قبل ذلك التقيته أكثر من مرة وكان قد حصل على القصص القصيرة لى أثناء وجوده في مهرجان الجنادرية وكانت الكاتبة السعودية ظاهرة نادرة، وحين زرته لأول مرة في مكتبه بالأهرام أردت إهداءه نسخة من مجموعتى الأولى فإذا به يقول لى إنه حصل عليها بالفعل في الجنادرية وإنه قرأها وأعجب بها وبرمزيتها ووصفها بأنها سياق قصصى جديد ونوع جديد من الأدب».
بدأت «رقية» الكتابة الإبداعية وهي لاتزال تلميذة في التعليم الثانوى وقد طلبت منها إحدى المعلمات ذات مرة أن تكتب ما يشبه القطعة التعبيرية التى تصف فيها بحيرة على الرغم من كون رقية بنت مجتمع صحراوى فكتبت رقية ما طلب منها على أجمل وجه حتى أثارت دهشة معلمتها وتذكر رقية هذه الواقعة وتضحك قائلة: «لقد طلبت منى هذه المدرسة أن أكتب وصفًا لبحيرة كما وصفها موليير، ولم أكن أعرف بعد من هو موليير هذا؟ ولأننا نعيش في مجتمع صحراوى ولم أكن أعرف ما هى البحيرة فكتبتها من خيالى فأعجبت بها المدرسة كثيرة ووصفتنى بأننى أديبة الجزيرة العربية».
لكن كيف تعامل أبوها وأسرتها مع موهبتها هل تخوفوا من انخراط ابنتهم في نهج قد يتعارض من الأعراف والقيم السائدة في السعودية أم شجعوها على المضى قدما تقول رقية في هذا: على العكس تماما فقد وجدت من أسرتى كل الدعم خاصة من والدى الذى كان أمير إحدى المناطق في السعودية وكان رحمه الله يحب مصر كثيرا وكان يردد دائمًا (المصريين ليسوا فقراء فلديهم أكبر نعم الله وهى النيل) كما كان يقول لى إن هناك تجربة سياسية وحزبية مهمة في مصر موجودة منذ الملك فاروق وهى حزب الوفد الذى يكرس ويؤكد على الوحدة الوطنية عمليا إذ ضم بين قادته وأعضائه أقباطا ومسلمين مما يترجم النسيج الواحد لمصر وهذه هى طبيعة مصر منذ القدم. وقد زار والدى مصر أكثر من مرة وكثيرًا ما كان يحكى لى عن تاريخها وكان يشجعنى على القراءة ومكتبته كانت زاخرة ولم يكن رجلا منغلقا بل متفتحا وكان يصطحبنا لزيارة لبنان ومصر وسوريا وباريس وهذا التنقل بين الثقافات والحضارات أضاف لى خبرة معرفية كبيرة ولم يكن يعترض على حبى للكتابة كما تربيت ثقافيا ومعرفيا على مكتبته الزاخرة والمتنوعة الموجودة في بيتنا كما شجعتنى المعلمات السوريات لى في السعودية وشجعننى على المضى قدما في الكتابة.
ولم يخل لقاؤنا مع الكاتبة السعودية المحبة لمصر من أجواء سياسية حيث كان من الضرورى أن نقف على تقييمها لتضاريس العلاقة المتراوحة بين مصر والسعودية التى مرت بفترات خصام وفترات وفاق كان آخرها موقفها الداعم لمصر وفي هذا قالت: يقال إن الملك عبدالعزيز أوصى أبناءه بمصر مثلما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بمصر وكانت هناك علاقة مصاهرة بين الملك فيصل مع السياسى المصرى الكبير ومؤسس جامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام وأنا أرى العلاقة بين مصر والسعودية علاقة تكاملية حتى وإن مرت ببعض الفتور فهى علاقة بين أشقاء يشوبها ما يشوبها لكن لابد من عودتها إلى طبيعتها في النهاية.
وعن رؤيتها لفترة حكم الإخوان لمصر ولماذا صبر المصريون ثلاثين عاما على مبارك ولم يصبروا على حكم الإخوان أكثر من عام قالت رقية: كان المصريون واقعين تحت تنويم مغناطيسى فضلًا عن أن المصريين أثناء فترة حكم الإخوان خافوا على وسطيتهم وهويتهم التى يتميزون بها، لأن مصر فيها خلطة منسجمة عجيبة لا توجد في أى بلد في العالم هى خلطة من كل الحضارات فمصر تستقبل كل شىء ثم تستوعبه وتمصره.
وباعتبارها أديبة بالأساس ومهمومة بهوية اللغة العربية وآدابها ومعنية بالشأن الثقافي والمعرفي كان يتعين الوقوف مع رقية على رأيها وتقييمها لوضع الثقافة على أجندة الأنظمة العربية، ومستوى الاهتمام باللغة العربية وخصوصًا بعدما اخترقتها لغات أخرى فإذا بها تقدم خريطة كاملة لوضع الثقافة في العالم العربى حيث قالت: يمكننى القول إن الاهتمام بالثقافة من قبل الأنظمة والمنظومة التعليمية العربية آخذ في التراجع وتكاد تكون غير مدرجة على أجندة هذه الأنظمة كما نلاحظ غيابا تاما للاهتمام بالثقافة في الإعلام العربى فالشأن اليومى والسياسى والفنى والرياضى هو الغالب بمنطق «السوق عايزه كده» وسأضرب لك مثلا من مصر ففي الانتخابات الرئاسية مثلا في مصر والتى جاءت بمرسى رئيسا تأملت جيدا البرامج الخاصة بالمرشحين وكان بينهم مثقفون لكن بين مواد برنامجهم جميعا لم أجند بندا وحيدا خاصا بمستقبل الثقافة في مصر أو البرنامج الثقافي الذى ينوى المرشح الاهتمام به إذا ما وصل لسدة الحكم.
أما بالنسبة للغة العربية فهى تتعرض للتغريب بل آخذة في التردى، فقد تراجع الاهتمام باللغة العربية وتراجعت هى ذاتها في مجتمعاتنا العربية بعد انتشار المدارس الأجنبية والدولية حتى أننا أصبحنا نرى أفراد الأسرة الواحدة يضمنون حديثهم مع بعضهم البعض عبارات أجنبية والحكومات مسئولة عن ذلك وكذلك واضعى السياسة التعليمية، وإذا رضينا بهذا الوضع دون حماية للغة ومقاومة تغريبها التدريجى ستنقرض اللغة العربية تماما وتصير لغة هجين وأنا من هنا أدعو لدعم مجمع اللغة العربية في مصر وأن ترصد له ميزانية ضخمة كحصن دفاع عن اللغة التى تمثل هويتنا.
وربما يخضع هذا لمنطق العرض والطلب في الإعلام وإلى عدم اهتمام الناس بالثقافة في الأساس، فمنطق العرض والطلب صار يحكم السياسة الإعلامية فاهتمامها الأول بقضايا الساعة وبالأخص السياسية ثم الفن ثم كرة القدم مع أن نهوض وارتقاء أى مجتمع مرهون بانتشار الرؤى الثقافية والتنويرية التى تحول دون انتشار الفكر الظلامى وفكرة التواكل والغيبيات والثقافة السمعية وغياب إعمال العقل الذى حض عليه القرآن والسنة وكذلك غياب الخطاب المعرفي والتنويرى مما يدلل على سيادة التخلف وفشل النخبة وخطابها الثقافي في التواصل مع الشارع فليست السياسة والطعام والشراب هى كل الخطاب المعرفي بل هى جزء منه ومكون فيه وأقول نعم المثقفون لم ينجحوا بعد في كسر عزلتهم وأتمنى أن تخصص الدول العربية ميزانيات ضخمة لدعم المؤسسات الثقافية وتعظيم دورها، كما يتعين تحديث الخطاب الثقافي وجعله مرتبطًا بهموم رجل الشارع وبلغة قريبة منه وعلى المثقف ذاته أن يكون له دور فاعل في الشارع أن معظم أمراض مجتمعاتنا سببها الجهل أو تحقير دور الثقافة وأتمنى أن يأتى اليوم الذى أرى فيه المانشيت الرئيسى في أى صحيفة من الصحف العربية أو خبر رئيسى بين نشرات الأخبار العربية في القنوات الفضائية متعلقا بالثقافة أو يتناول قضية ثقافية ما، ولك أن تلاحظى مثلا غياب القامات الأدبية الكبرى فلم تفرز مجتمعاتنا بعد كتابا كبارا ومفكرين كبارا ومستنيرين كبارا منذ الستينيات مثلا.
ولرقية حمود الشبيب وجهة نظر جريئة فيما يتعلق بالمؤسسات العربية التى تمنح الجوائز الأدبية حيث ترى أن هناك شبهة توازنات ومحاباة وتحكمها الأهواء وتقول رقية في هذا: جائزة البوكر مثلا وهى تعتبر أكبر جائزة أدبية عربية الآن، كل سنة تمنح لأديب من دولة عربية وكأنها بالدور أو مرتبة باستثناء مصر التى حصلت عليها مرتين ربما بسبب عدد سكانها وأنا كتبت ذات مرة أقول: «دائما ينظر للجائزة الثقافية نظرة مريبة من قبل المثقفين ودائما ما نسمع أو نقرأ تحليلات أو تصريحات في الفضاء الثقافي حول الجوائز والتشكيك بنزاهة اللجان أنا قلت هذا سابقًا ومازلت أؤكد عليه».
ونجد للهم الإنسانى المتعلق بالمرأة السعودية ووضعها وأحلامها حضورا كبيرا في كتاب لرقية حمود الشبيب هو قيد الصدور ويحمل عنوان «كنت في سجن النساء» لكن رقية تقول: إن هموم وقضايا المرأة السعودية حاضر بنسب متفاوتة أيضا في كتاباتى السابقة لكنها تحتل مساحة أكبر في هذا الكتاب الذى ينطوى أيضا على رؤى استشرافية وأقول إجمالا عن هذا الكتاب أن بعض ما جاء فيه قد تحقق بالفعل فالكتاب لا يقتصر على رصد الواقع واستلهامه وتحليله وهذه رؤى كتبتها في جرائد محلية مختلفة في الفترة الواقعة بين 1998 و2012 وبعضها لم يسمح لها بالنشر وقد وثقتها في هذا الكتاب لتعلم الأجيال القادمة عن النساء أن هناك من قالت كلمة وهى أضعف الإيمان وهى كتابات كسائر كتبى تجمع بين الخيال والواقع، ولك أن تعرفي أن الأجيال السابقة لى من الكاتبات السعوديات لاقت تحديات كبيرة حيث كان عيبًا أن يكتبن أسماءهن وبعضهن كتبن بأسماء مستعارة بل وبدءا من جيلى أنا بدأنا نكتب بأسمائنا.
ومثلما المرأة حاضرة في أدب الرجل فإننا نجد الرجل حاضرا في كتابات رقية الشبيب أيضا لكنه حاضر بشكل مغاير ربما يكون نموذجيا وهو ليس حضورا من منظور أنثوى رغم كونه رجلا متخيلا ونموذجيا ومثاليا وفارسا ورومانسيا وفي هذا تقول: »نعم الرجل موجود في غير عمل من أعمالى ولا يعنى هذا أننى أحلم بهذا النموذج أو بهذه الصفات وإنما أضيف أبعادا للرجل قد يفتقدها هو في الواقع ولا تحاولى الربط بين إبداعى وحياتى فهناك فارق كبير بينهما والإبداع – من اسمه - يعتمد في المقام الأول على الخيال والابتداع.
وكانت رقية الشبيب قد خاضت مجال أدب الأطفال وصدرت لها قبل أيام مجموعة من قصص الأطفال، تنوى تقديمها في سلسلة وقد اتفقت معها إحدى القنوات الفضائية في ترجمة هذه القصص تليفزيونيا في عمل ولأن أدب الأطفال من أصعب أنواع الكتابة أردنا الو على هذه التجربة لدى رقية.
وعن الكتاب الذين تأثرت بهم في هذا السياق فقالت: «صراحة وليس من قبيل الغرور أو التعالى أنا لم أضع نصب عينى نموذجا أتمثله وأقتدى بمدرسته في مجال أدب الأطفال وإنما تعاملت مع هذا الأمر بقدر كبير من البساطة والتلقائية فقد استفدت بمهاراتى التلقائية عندما كنت أحكى (الحواديت) لابنى صغيرا فضلا عن استدعائى لروح الطفولة التى بداخلنا بشكل أو بآخر وبنسب متفاوتة وتركت مخيلتى للتداعى فوجدتنى أنجز هذه المجموعة من قصص الأطفال ومع انتعاش مخيلتى في هذا السياق قررت الاستمرار في هذه التجربة وستصدر تباعا فيما يشبه سلسلة حكايات الأطفال لكنك تندهشين حين أقول لك إننى لم أكتب بعد عملا روائيا واحدا كما أن لدى محاولات شعرية لم أرض عنها بشكل كاف ولذلك لم أنشر بعد رواية أو شعرا لقد حاولت بالفعل لكننى لم أجد نفسا طويلا كفاية لكتابة الرواية».
وقبل أيام كانت قد تمت ترجمة إحدى قصص رقية إلى الفرنسية وتم تحويلها إلى نص مسرحى لتقديمها على أحد مسارح باريس وتقول رقية عن هذه التجربة: «من المضحك أننى كتبت هذه القصة ولم يدر بخلدى أنها ستنال هذا الاهتمام وأنه سيتم تقديمها في عمل مسرحى بأسلوب (المونودراما) وقد اختارتها إحدى دور النشر الفرنسية، والقصة بعنوان (استئناف) ولديهم اهتمام خاص بالإبداع أيا كان نوعه وهم في ذلك يهتمون بالنص أكثر من الشخص فلا يهمهم مسلم أو مسيحى، رجل أو امرأة، مصرى أو سعودى فالنص لديهم هو المعيار الأساسى والوحيد للاختيار».
وعن غياب الجرأة في مجال الكتابة النسائية والخوض في القضايا الشائكة وغياب هذا في كتابات رقية تقول: «لم لا تقولى إن الكتابة النسائية الجريئة موضة وموجة وقد انقضت واستنفدت أغراضها وليس مطلوبا من الكاتبات أن يكن نموذجا لكتابات ألبرتو مورافيا، وهل تتصورين أن الحياء وهو أجمل صفات الأنثى يمثل معوقا إبداعيا.
وفي رأيى أن موجة الكتابة النسائية الجريئة جاءت من قبيل محاكاة تجارب غربية أو للفت الانتباه ومعظم هؤلاء الكاتبات إما استنفدن تجربتهن أو لم ينلن الجوائز والالتفات أو عدن للسياق الإبداعى الذى لايستغل الجنس كمكون جاذب في العمل».