واصلت الدول الغربية الضغط على إيران معتبرة أن أزمة البرنامج النووى الإيرانى لاتزال قائمة بالرغم من توقيع اتفاق حول تخصيب اليورانيوم بين الجمهورية الإسلامية والبرازيل وتركيا، بينما دعت طهران من جانبها قوى العالم، أمس، إلى قبول الاتفاق وعدم تفويت الفرصة لتسوية النزاع القائم، فيما يعتقد محللون أن الخطوة الإيرانية تستهدف على ما يبدو إثارة الانقسام فى صفوف المجتمع الدولى وتجنب عقوبات دولية جديدة يجرى الإعداد لها.
وأقرت الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، بأن الاتفاق يعد تطوراً إيجابياً، لكن لا يعد كافياً على الأرجح لمنع القوى العالمية من فرض عقوبات من جانب مجلس الأمن الدولى، ومع ذلك أعلنت دول الغرب أنها ستقوم بمراجعة الاتفاق الذى توسطت فيه تركيا والبرازيل، وهما الدولتان اللتان ترفضان العقوبات فى مجلس الأمن.
وفى الوقت الذى اعتبر فيه وزيرا الخارجية التركى والبرازيلى أنه لم تعد هناك ضرورة لتشديد العقوبات بعد توقيع هذا الاتفاق الذى ينص على تبادل اليورانيوم الإيرانى ضعيف التخصيب بيورانيوم مخصب بنسبة 20% لمفاعل أبحاث فى طهران، يبدو أن الغربيين غير عازمين على تخفيف الضغط،
حيث قال البيت الأبيض على لسان المتحدث باسمه روبرت جيبس إنه لا تزال لدى الولايات المتحدة وحلفائها «مخاوف جدية» بشان الملف النووى الإيرانى، وأضاف جيبس أن قيام إيران بنقل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج أراضيها سيكون «خطوة إيجابية»،
إلا أنه أشار إلى أن إيران «أعلنت أنها ستواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ما يشكل انتهاكا مباشرا لقرارات مجلس الأمن»، فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولى أن بلاده «ستتحاور مع إيران فى أى مكان وزمان شريطة أن تكون مستعدة للتصدى لبواعث قلق المجتمع الدولى»، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أن «تقدما كبيرا» يتم إحرازه على طريق فرض عقوبات على إيران. وأشار كراولى إلى أن واشنطن ستجرى مشاورات واسعة خلال الأيام القليلة المقبلة لمناقشة الاتفاق، فى إشارة إلى القوى الـ6 الكبرى.
كما اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى كاثرين اشتون، أمس الأول، أن الاتفاق الجديد يستجيب «جزئيا» فقط لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نيسركى أن هذا الاتفاق «مشجع» لكن قرارات مجلس الامن «يجب أن تطبق».
من جانبه، رحب الرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف بالاتفاق، معتبراً فى الوقت نفسه أنه من الضرورى إجراء مشاورات جديدة للرد على كل الأسئلة العالقة. ولخص المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو الموقف بقوله: «علينا ألا نخدع أنفسنا»، مشدداً على أن «لب المشكلة النووية الإيرانية هو استمرار أنشطة التخصيب فى نطنز وبناء مفاعل المياه الثقيلة فى أراك وإخفاء موقع قم وبقاء أسئلة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون أجوبة».
ورأت ألمانيا أن المهم هو «أن تتوصل إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتفاق»، فيما اعتبرت بريطانيا أن إيران لاتزال تشكل «مصدر قلق كبير»، مؤكدة وجوب «مواصلة» العمل فى الأمم المتحدة لفرض عقوبات، لكن الصين، العضو الدائم أيضا فى مجلس الأمن وحليفة إيران، أعلنت تأييدها للاتفاق، داعية إلى التفاوض بشأن النزاع المتصاعد مع طهران، فيما قالت الوكالة الذرية، التى ستشرف على المواد النووية بموجب الاتفاق، إنها اطلعت على البيان وتنتظر من إيران الموافقة على بنود الاتفاق كتابةً.
وفى غضون ذلك، ذكر راديو إسرائيل أمس أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أصدر توجيهاته إلى أعضاء حكومته بالامتناع عن الإدلاء بأى تصريحات تتعلق بالاتفاق، منوها بأن إسرائيل ستعقب عليه رسميا فى وقت لاحق بعد اجتماع وزارى.
وكان مسؤول إسرائيلى قد اتهم أمس الأول طهران بـ«التلاعب» بتركيا والبرازيل عبر «التظاهر بقبول» تسوية للأزمة.
وعلى الجانب الإيرانى، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمنبراست أمس، أن بلاده ستبلغ خلال هذا الأسبوع الوكالة الذرية خطياً باقتراحها حول تبادل الوقود النووى، وأنها تنتظر ردا سريعا من الدول الكبرى. وقال مهمنبراست: «إننا متفائلون تماما بأن مجموعة فيينا (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) ستوافق على اتفاق طهران ولن تفوت الفرصة لتلك الخطوة التاريخية لتسوية النزاع»، مقللا من أهمية رد الفعل الدولى الفاتر الأولى على الاتفاق.
وأضاف مهمنبراست أن تركيا والبرازيل عملتا كممثلتين للمجتمع الدولى مما يجعل موافقتهما على الاتفاق إجماعا دوليا بشكل فعال. وتابع قائلا: «فى مناخ من التعاون، ينبغى وضع الخطوات غير البناءة وقضية العقوبات جانبا للسماح بتعاون أكبر»، ولفت إلى أنه «من الطبيعى تماما أن يكون لدى بعض الدول بعض التساؤلات ومازالت هناك حاجة إلى وقت لدراسة البنود العشرة فى الاتفاق»، وقال مهمنبراست إن اتفاق طهران لا يتعين تفسيره كتنازل صادر عن إيران لتفادى تجدد العقوبات، لكنه مسعى من جانبها للمضى قدما فى مسار التعاون.
وعلى الرغم من تزايد نبرة الضغوط على إيران، يرى عدد من الخبراء أن الاتفاق الجديد يحرج دول الغرب، لأنه سيكون من الصعب عليها رفض تسوية تفاوضت بشأنها دولتان حليفتان هما البرازيل وتركيا. فالدولتان المعنيتان هما عضوان غير دائمين فى مجلس الأمن الدولى، وفى مجموعة الـ20، ومن أبرز القوى الناشئة.
وقال باسكال بونيفاس، مدير معهد الأبحاث الدولية والاستراتيجية فى باريس: «إن المضى قدما كما لو أن شيئا لم يحدث لن يكون من شأنه سوى عزل الغربيين، ليس إزاء روسيا والصين فحسب بل إزاء دول ناشئة فى الجنوب». ولفت مهدى مكدور، الخبير فى الشؤون الإيرانية لدى مجموعة الأبحاث والمعلومات فى بروكسل إلى أن «البرازيليين والأتراك فعلوا خلال يومين أكثر مما فعلته فرنسا والولايات المتحدة خلال سنة».
ويرى محللون أن الاتفاق الجديد قد يتيح بذلك لطهران تجنب عقوبات دولية جديدة، ويحدث انقساماً بين القوى الكبرى، ويساعد الزعامة الإيرانية على إعادة تأكيد سلطتها بعد شهور من الاضطرابات والمعارضة التى أعقبت انتخابات الرئاسة فى يونيو الماضى.
وعلى الرغم من ذلك، يرى بعض الخبراء أن مسالة صدق النظام الإيرانى تطرح نفسها بكل وضوح، خصوصا أنه متهم دائماً بأنه يريد كسب الوقت. فمن ناحيتها، قالت سفينجا سينجن، الخبيرة فى المؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية: «إنى أشكك جدا فى الاتفاق، لا يتعلق الأمر سوى بمفاعل أبحاث، وبقية البرنامج النووى ستتواصل».
وبينما تساءلت مجلة «تايم» الأمريكية عما إذا كان اتفاق تبادل الوقود يعد تقدماً أم مجرد تكتيك لكسب الوقت، وصفت صحيفة «جارديان» البريطانية الاتفاق بـ«غير المنجز».