هكذا يقول باراك أوباما فى مقدمة كتابه «أحلام من أبى» الكتاب الذى يكشف فيه عن قلبه داخل التجربة الأمريكية الحديثة. يقول فى المقدمة:
فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 تمزق العالم. مهارتى فى الكتابة لا تؤهلنى لوصف ذلك اليوم والأيام التى تليه، الطائرات مثل الأشباح تختفى بين الحديد والزجاج، انهيار البرجين كشلال يتدفق بالتصوير البطىء. أناس يكسوهم الرماد يهيمون فى الشوارع، الألم والخوف لا أدعى أننى أفهم العدمية التى كانت تحرك الإرهابيين فى ذلك اليوم، ومازالت تحرك إخوانهم الآن. قدرتى على الوصول إلى قلوب وعقول الآخرين تعجز عن أن تخترق تلك النظرات الخاوية لأولئك الذين غمرتهم مشاعر الارتياح الهادئة غير المنطقية وهم يغتالون الأبرياء، ما أعرفه أن التاريخ قد أعاد ذلك اليوم حاملاً معه الانتقام. نذكر قول فوكنر «كاتب أمريكى كبير»: الماضى لا يموت أبداً ولا يدفن تحت الثرى هذا التاريخ الجماعى. «قنابل القاعدة تركت بصماتها بدقة غريبة على بعض معالم حياتى».
تذكرت كلمات أوباما هذه وكتاب سيرة حياته وأنا أقرأ كتاب «أوباما والشرق الأوسط»: نهاية العصر الأمريكى للأكاديمى اللبنانى الأمريكى الدكتور فواز جرجس، اسم الكتاب بالإنجليزية نهاية اللحظة الأمريكية. والدكتور فواز إن كنت لا تعرف: أكاديمى كبير من مواليد لبنان 1958، يقوم بتدريس السياسة ومتخصص فى الشرق الأوسط فى كثير من جامعات لندن وأمريكا، وهو متحدث ومعلق سياسى فى كثير من الإذاعات والتليفزيونات العربية وغير العربية يتحدث فى الجزيرة والـBBC والقنوات المصرية أحياناً، وهو كما يبدو من كتابه وأحاديثه متخصص فى الشؤون الإسلامية. له مقالات فى جريدة الشروق وله دور فى المناقشات الدائرة فى بريطانيا عن جماعة الإخوان الإرهابية. وهو دارس متعمق ومطلع على أغلب حركات الإسلام السياسى. من مؤلفاته «رحلة مجاهد»، و«العدو البعيد: لماذا أصبح الجهاد عالمياً»، «أمريكا والإسلام السياسى- صراع الثقافات أم صراع المصالح».
الكتاب هام ومحير. محتشد بالمعلومات، وبالمراجع العربية والأجنبية، ويغطى خلال 6 فصول: الميراث الأمريكى المر فى الشرق الأوسط، وعقيدة بوش وعقيدة أوباما التى يسميها عقيدة اللاعقيدة، كذلك يشمل عرضاً موجعاً لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وفصلاً عن دول الشرق الأوسط المحورية مصر وإيران وتركيا ويختم بفصل محورى عن «الحرب على الإرهاب».
الكتاب يجب أن يقرأ باهتمام وحذر وبعقل بارد.
■ ■ ■
يقول د. فواز:
وضع أمريكا- الآن- فى المنطقة يشبه وضع بريطانيا عند نهاية الحرب العالمية الثانية، نحن نشهد الآن بداية نهاية العصر الأمريكى فى الشرق الأوسط، لقد أدت الحروب غير الشرعية وغير العادلة ليس فقط إلى تكاليف هائلة بشراً ومالاً، بل هى دمرت الأساس الأخلاقى لقوة أمريكا ونفوذها رغم أن الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية تسعى إلى ملء الفراغ إلا أن القوى الإقليمية الصاعدة هى المرشحة بقوة لشغله.
هو يزعم أنه ليست هناك «مؤامرة» أمريكية تجاه المنطقة، لقد نقدت أمريكا الحكام الأصدقاء. الكتاب نشر فى نهاية 2013 ولماتزال الإدارة الأمريكية وكثير من القيادات الغربية فى حالة من التخبط والتذبذب، فبعد الحركة العنيفة لقوى الرأى العام العربى، وبعد الصعود والهبوط المأساوى للحركات الإسلامية، لم تعد أمريكا تلك القوة الخارقة التى لا تقهر ولا يرد لها طلب. يقول مسؤول أمريكى: أصبحنا فى المنطقة عاجزين عن النجاح فى حرب أو فرض سلام ويقول أحد رجال البيت الأبيض: اللغز الأمريكى الآن هو أننا أصبحنا عالقين فى هذه المنطقة مع عدد أقل من الأصدقاء، لا نستطيع أن نصلحها، ولا أن نغادرها لقد أصبح واضحاً هناك أن طريق التقدم لا يمر بالضرورة بواشنطن.
لقد دفنت كل دعاوى الحرية والديمقراطية الأمريكية فى رمال العراق المتحركة، تعامل بوش بخليط سام ومميت قدمه له «المحافظون الجدد» وصهيونيو «إسرائيل أولاً»، والمؤسسة الحاكمة التى تشكل السياسة بحيث يعاقب أى تفكير جديد أو نقاش مفتوح، قدموا هؤلاء جميعاً لبوش: أفكار الحرب الكونية ضد الإرهاب، وفكرة إعادة هندسة الشرق الأوسط وفق رغباتهم وحل بريمر حاكم العراق الجيش العراقى، فقدم احتياطيا هائلا لقوى التطرف، بعد أن كلفت الحرب الكثير من الدماء، والدموع والدمار لتراث العراق ولسمعة أمريكا الأخلاقية والغريب بل المذهل أن تجد بوش يكتب فى مذكراته عن حرب العراق «رغم كل الصعوبات فإن أمريكا الآن أكثر أمناً، من دون ديكتاتور مجنون يسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل ويدعم الإرهاب فى الشرق الأوسط الآن يسود المنطقة أمل أكبر فى ديمقراطية شابة تضع المثال لآخرين كى يتبعوها كما أن الشعب العراقى هو فى وضع أفضل، مع حكومة تستجيب لمطالبه بدلاً من قمعه وقتله»، انتهى كلام «بوش». الله وحده هو القادر على محاسبته على هذا الخلط والجهل والتزييف.
■ ■ ■
جاء براك أوباما إلى البيت الأبيض حاملاً بشبابه وخلفيته المختلفة أحلاماً جديدة لأمريكا وللعالم، محاولاً بعث منطق كينيدى قائلاً: سوف ألتقى ليس بالأصدقاء فقط، ولكن بالأعداء أيضاً. لن أتفاوض عن خوف، ولن أخاف أن أتفاوض. جاءت خيبة الأمل شديدة وسريعة فى أوباما، عندما فشل فى تغيير السياسة المهيمنة على واشنطن، ويكفى هنا لكى نعرف أن واشنطن هى التى غيرت أوباما بينما فشل هو فى أن يغير فيها شيئاً: يكفى أن نقارن بين خطاب جامعة القاهرة وخطاب الأمم المتحدة الأخير. لقد قال الرجل كثيراً ولم يفعل شيئاً، قال فى جامعة القاهرة:
«عن الديمقراطية والعراق، دعونى أكن واضحاً. ما من نظام حكم يمكن أن يفرض من أمة على أمة أخرى، أمريكا لا تزعم أنها تعرف ما هو الأفضل لكل فرد كما أننا لا نتجرأ على التكهن مسبقاً بنتيجة أى انتخابات سليمة».
أما فى الأمم المتحدة مؤخراً فقد استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو بعد إجماع شامل على مفاوضات مع وقف بناء المستوطنات وقال الرئيس الأمريكى صاحب الكلمات الكبيرة:
«الالتزام الأمريكى بأمن إسرائيل أمر ثابت. صداقتنا بإسرائيل عميقة ودائمة. نحن نعتقد أن أى تسوية سلمية دائمة يجب أن تعترف بالمخاطر الأمنية الحقيقية التى تواجهها إسرائيل كل يوم».
لعل العصر الغريب الذى أدخلنا فيه الرئيس أوباما عصر القتل المتعمد غير الشرعى عن طريق الطائرات دون طيار. عصر جديد من إرهاب عالمى جديد لا نعرف إلى أين سيقود العالم. ارتفعت نسبة استعمال الـdrone إلى 32٪ وزادت خسائر المدنيين وارتفعت أصوات الاحتجاج ضد هذه الطائرات داخل أمريكا وخارجها، أمريكا الآن: طائرة بلا طيار!
نقطة نظام:
تقول السيدة الفلسطينية العظيمة حنان عشراوى:
إذا سمعت أوباما يتحدث يتبادر إلى ذهنك أن الفلسطينيين هم من يحتلون إسرائيل.
كلمة سياسية واحدة لم يتغير معناها خلال تاريخ العرب الحديث: كلمة النكبة احتفاظ إسرائيل بالأراضى المحتلة هو الوصفة الناجحة لحروب متجددة.
أوباما والشرق الأوسط. نهاية العصر الأمريكى. الدكتور فواز جرجس مركز داراسات الوحدة العربية بيروت 2013