x

أيمن الجندي فى أحضان فيل أيمن الجندي الأربعاء 14-05-2014 20:53


ظلت مترددة أمام الفيل المُجلل بالعملقة والهيبة. واقفا على قوائمه الضخمة، متمايلا بزلومته فى شبه ملل. بينما راح الرجل الآسيوى ذو التنورة والقميص الزاهى يخاطبها بلغة الإشارات كى تقترب ويلتقط الصورة. ترددت لبرهة وشرعت ترنو إلى الفيل بمشاعر متباينة بين الإعجاب والخوف. ثم حسمت أمرها واقتربت، ولم تكن تدرى أن اللحظة الفاصلة ستغيرها إلى الأبد.

أعدت حقيبة سفرها الصغيرة على عجل استعدادا للسفر إلى «تايلاند». هى دائما وحدها. ابنتها الوحيدة منهمكة فى الاستعداد للامتحان ولا يمكنها مرافقتها.

جميلة! بل أكثر من جميلة.. ساحرة! ولكنه ليس الجمال المصرى المعتاد ولا الجمال الأوروبى الأشقر. هى أقرب إلى ساحرات إسبانيا وجميلات أمريكا الجنوبية. اللون الأسمر الرائق الذى يشبه شعاع نجمة فى قنينة خمر. أو الثوب الفضى النقى الذى ترتديه السماء بعد الغروب مباشرة. وكان قوامها الممشوق السمهرى أكثر روعة. على أنها لم تختبر قط تأثيرها فى الرجال. إذ تزوجت فى سن مبكرة. ولما كانت نقية النفس تماما، وتتعامل بنية صافية واستقامة، فلم يجرؤ زملاؤها فى العمل على النظر إليها كامرأة. وتتابعت السنون حتى توفى زوجها وهى فى نهاية الثلاثينيات. كانت صدمتها أشد من أن تُحتمل. ثم مرت الأيام ولاحظت تغير نظرات الرجال إليها. لماذا يتكهرب الجو حينما تأتى؟ ولماذا يلتفتون حين تبتعد؟

ولأول مرة تتأمل جسدها الممشوق فى المرآة، ثم تتجاهل خواطرها بسرعة. وحين بدأ طلاب يدها يتوافدون كانت ترفض. فهناك ابنتها التى تتفتح كوردة وتخشى عليها من زوج أم، وهناك طمع محتمل فى مالها، وهناك صعوبة القرار، وهناك ذكريات الزوج الراحل.

على أن الليل كان طويلا جدا، وابنتها منهمكة مع صديقاتها. وفى ختام الأمسية يبدو سريرها متسعا لاثنين، لا لامرأة وحيدة. وكانت أحيانا تقول لنفسها إنه لا بأس أن تتزوج، ليس بسبب الرغبة الفطرية فى الجنس الآخر، فلم يكن ذلك يوما شيئا ذا بال لها، وإنما لتشعر بالأنس والأمان ويكون زوجها صديقها المقرب. كانت برغم إنجابها عذراء تماما. خالية البال من مكامن الأنوثة.

لحظة اقترابها من الفيل أحست بالخوف والرهبة. ماذا لو تحرك بعنف أو دهسها؟ لكنها طمأنت نفسها أن الأمر لن يتعدى صورة سريعة! ذكرى تضمها إليها فى المخدع الواسع. لكن ما حدث اختلف تماما. كان الرجل الآسيوى يشجعها بكلمات حماسية. وبدأ الفيل يشعر باقترابها. والتصقت به فبدا كأن الفيل قد توقف عن الحركة. لم يستغرق الأمر ثوانى معدودات لكنها كانت أطول من حياتها كلها.

الفيل قوة عادلة، رمز الضخامة والثقة. الفيل مخلوق نبيل، رمز الطيبة والمؤانسة. لا أحد يدرى ما حدث، ربما الفيل وحده يعلم. هل عرف طول لياليها؟ هل استشعر وحشتها المؤلمة؟! هل تحركت رجولته حينما أحس بأنوثتها المكبوتة؟ هل أدرك أنها عود لم يشد أوتاره أحد، ولا عزف على أوتاره المرهفة أحد؟

والذى أدهش الجميع أنه رفع رأسه وكأنه يتشمم الهواء بعمق، ثم انحنى بزلومته. ولفها بحنو بالغ حول خصرها النحيل وكأنه رجل يحتضن امرأة!

وسط شهقات الاستغراب والقلق البادى على وجه صاحب الفيل الآسيوى كانت وحدها من شعرت بالطمأنينة. التفت الزلومة حولها كأنها رجل يضمها. ولأول مرة تشعر بمذاق الضمة. ولأول مرة تشعر بأنها أنثى، ولأول مرة تعترف بأنها ليست بحاجة إلى صديق، وإنما إلى رجل.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية