فيلمان لا ثالث لهما، هما إنتاج ناجي شاكر على مستوى السينما التي اعتزل صناعتها بعد أن سطر اسمه كأحد صناع «شفيقة ومتولي»، الذي يقول عنه «كان السيناريو مستفزًا وثريًا وفيه الأسطورة الشعبية بأحلى توليفاتها، فقلت لصلاح أنا معاك»، والأول هو ابنه البكر الذي خلقه ناجي كتابة وتصويرًا وإخراجًا، هو الفيلم «الإيطالي المصري» الذي حمل اسم «صيف 70» نسبة لعام إنتاجه، والذي يعتبره ناجي «خلاصة الحلم والرغبة في التجريب التي لم تكن متاحة إلا في إيطاليا».
سافر ناجي بعد هزيمة 1967 ونكسة المسرح إلى إيطاليا ليطرق أبواب خبرات سينمائية ومسرحية جديدة، وكان بعد العودة لمصر على موعد جديد مع «جاهين» لكن ليس بمفرده، فهذه المرة كان مع صلاح أصحاب فيلم «شفيقة ومتولي» الذي كان لناجي تجربة مفيدة معه «أنا في (شفيقة ومتولي) دخلت عالم السينما مع أحسن ناس، صلاح وسعاد حسني وأحمد زكي وعلي بدرخان».
الوقوف بين الحلم والعمل مع كتيبة من المتميزين، هذا ما عاشه ناجي في السبعينيات مع «شفيقة ومتولي»، يتذكر «وافقت على الفيلم رغم عدم رغبتي بالعمل في السينما التجارية، لكنها موافقة للتجربة، فأنا لم أرغب في صناعة سينما بهذه الطريقة، لأني بعد العودة من إيطاليا كانت لدي أفكار للسينما، فقررت دخول المجال لأعرف طبيعة العمل السينمائي في مصر وشروطه على أمل إيجاد طريق أنفد منه للسينما بتاعتي».
لبّى ناجي طلب صديقه «جاهين» وبدأ في تصميم ملابس وديكور الفيلم، ورغم حصوله على جائزة عنهم من المهرجان القومي للسينما كانت النتائج وقت التحضير «صادمة» لبطلته سعاد حسني «أنا بدأت التصميم بشخصية شفيقة، فتخيلتها شابة فقيرة لكن متمردة وقوية جدًا، وذهبت بتصميم ملابسها ومظهرها لسعاد، فتفاجئت بالجلابية الفلاحي واعترضت قائلة (إزاي تلبسني الجلابية الواسعة دي، دي عايزة 4 سعاد حسني يلبسوها. وكمان شعري هيبقى منكوش) فكان ردي عليها (أنا عايزك شفيقة، مش السندريلا)».
ملابس شفيقة عادت بناجي لأعوام عمله أواخر الخمسينيات، عندما كان شابًا حديث التخرج، كمصمم لأزياء السيدات «اشتغلت قبل المسرح وتعييني كمعيد، في مصنع اسمه (شوشة) للنسيج، كنت بصمم ملابس حريمي وأفرح جدًا لما أشوفها منتشرة»، وخرجت خبرة مصمم ملابس «شوشة» في مظهر سعاد «اقنعتها بارتداء الملابس وباروكة الشعر المجعد أسبوع في البيت لتعتادهم، وبعدها وافقت عليهم، وهذا في رأيي سر عبقريتها، فهي لا تصر على رأيها طالما اقتنعت بغيره».
يرى ناجي «شفيقة ومتولي» فرصة أخرج من خلالها طقوس شعبية رأها في صباه، فصمم المولد الذي ظهر لمدة 3 دقائق فقط في الفيلم من أصل 20 دقيقة مصورة، كما يحكي لي بشئ من ضيق بقى بعد مرور أعوام على التجربة «المولد كانت وظيفته في الفيلم إنه مدرسة تتعلم فيها شفيقة الفلاحة دروس الحياة، وأعتقد إن مشاهده لو عُرضت كاملة كما صممناها وصورناها لخرجت بمستوى الليلة الكبيرة، لكن عامة الفيلم مر بظروف صعبة، واستمر العمل فيه من 1973 إلى 1978، وتبدل عليه المخرجين سيد عيسى ويوسف شاهين، إلى أن وصل لبدرخان».
«شفيقة ومتولي» كلمة النهاية لمشوار ناجي مع السينما، التي قدم لها من قبل أول فيلم «مصري- إيطالي» تجريبي مستقل بعنوان «صيف 70»، كتب له السيناريو بالمشاركة مع زميله الإيطالي باولو إيسايا، وأنتجه الإثنان «بإمكانيات بسيطة» تحت مظلة «جماعة صيف 70» وبرعاية من المخرج رينزو روسيليني، نجل أحد أهم مخرجي إيطاليا روبرتو روسيليني، ليُكرم ناجي بعد مرور 40 عامًا على صناعة الفيلم، باختياره عام 2010 ضمن مقتنيات قسم الأفلام التجريبية بمتحف الفن الحديث بنيويورك «موما».
لم يمر إنتاج «صيف 70» على ناجي بلا مصاعب، لكنه يراها هينة مقارنة بما تعرض له مثله الأعلى المخرج الكندي نورمان ماكلارين الذي نال جائزة «أوسكار» بعد أعوام صنع خلالها أفلامًا بلا إمكانيات «شاهدت أفلام (ماكلارين)، ولحسن حظي التقيته عندما زار مصر، وكان عمري 29 عامًا وكان وقتها عضوًا في مجلس الأفلام الكندي، وخرجت من لقائنا بحب واحترام لفلسفة الفن ورغبة في البحث فيه، وأنا كان عندي إمكانيات لفيلمي أكثر من التي توافرت لـ(ماكلارين)».
لم يستمر ناجي في العمل في السينما بعد «صيف 70» الذي أراد من خلاله صناعة فيلم تجريبي يضم كل أحلامه السينمائية», فأسأله عن«حلم السينما» وبداياته، فتأتي إجابته من فترة الطفولة «أنا اتعلقت بالسينما، بسبب جاري، كان خواجة مالطي وعنده ماكينة سينما 35 مللى، وكان بيعرض أفلام صامتة ليا ولأولاد الجيران».