تأسست «الدولة الحديثة»، مع محمد على فى 1805، أقام الدولة على ثلاثة أركان رئيسية هى: الجيش الوطنى، والجهاز الإدارى، ومؤسسات الحداثة التى تشكلت عقب عودة المبعوثين من بعثاتهم التى قادها أبوالتنوير المصرى جدنا الطهطاوى، وتمثلت فى كليات متخصصة ومطبعة... وبدأت مصر الانتقال من دولة الطوائف إلى دولة الجماعة الوطنية، كما- انفتح الطريق أمام بعض المصريين أن يكونوا ملاكا للأراضى بعد قرون من العمل كعبيد لدى ملاك وافدين... ولم يطل الوقت كثيرا حتى باتوا يزاحمون الحكام فى إدارة شؤون البلاد بداية من مجلس شورى النواب، ثم كان التجلى الكبير فى مواجهة الرقابة الثنائية، ثم ثورة عرابى، فثورة 1919 و1952.
(2)
وتأسست «الجمهورية، مع ثورة يوليو، والجمهورية فكرة، ونظام يعكس الانتقال من حكم الأسرة/ الملكية الوراثية الممتدة، إلى دولة المواطنة التى يتقلد فيها الحكم المؤسسات التى يقودها فئات متنوعة من المواطنين، حيث تختلف فيها طبيعة الفئات الحاكمة حسب التطور الديمقراطى.
(3)
فى لحظة ما، تعرضت الفكرة الجمهورية إلى أن «تضرب» فى «مقتل»، وذلك من خلال التمهيد العملى لإعمال «التوريث»... ما يناقض «الجمهورية» فى جوهرها... فكان «حراك» 25 يناير معلنا موقفه من التوريث، بالدفاع عن الجمهورية وعدم الارتداد عنها أمام أى مبرر، خاصة أن النظام السياسى فى سلوكه على مدى عقود، كان يعبر بصورة متنامية عن الاستبداد السياسى بدرجة أو أخرى، والذى كانت ذروته: الانسداد السياسى أمام المشاركة السياسية لكل القوى السياسية كما تجلت- بامتياز- فى انتخابات 2010، والذى كان تغطية على غلق مجال الثروة على القلة الثروية.
(4)
فى لحظة أخرى تعرضت الدولة الحديثة- نفسها- فى مصر إلى محاولة تغيير طبيعتها من خلال مشروع ضيق لجماعة تولت السلطة من خلال الانفتاح السياسى الذى شهدته مصر عقب حراك 25 يناير، وحاولت «التضييق» عليه بالإعلان الاستبدادى أولا، ثم ما أطلقت عليه شرعية الإكراه ثانيا، وأخيرا بإعلان حرب على عموم المصريين.. وتبين أن مشروع الجماعة يتناقض مع مشروع الوطن المصرى والدولة الحديثة بمركبها الحضارى متعدد العناصر (أخذا فى الاعتبار أنه كان يتبع نفس التوجه الاقتصادى للقلة الثروية المدنية وإن بقبعة دينية)...فكان «تمرد» 30 يونيو، الذى تكونت عناصره من تحالف عريض عابر: للطبقات، والأجيال، والانتماءات،...إلخ، دفاعا عن الدولة الحديثة.
(5)
الخلاصة، تبين أن كلا من «الحراك» و«التمرد»، قد عكسا تمسك المصريين بكل من: الدولة الحديثة، والجمهورية.. إلا أنهما فى حاجة إلى تجديد وتفعيل بالمعنى التاريخى المركب.. وعليه فإن مصر الجديدة القادمة التى نتطلع إليها تحتاج منا إلى أن نتحرك من أجلها فى إطار من الشراكة الوطنية.. وإدراك أن اللحظة التاريخية تتطلب المشاركة الجادة لدعم الصيغة الحاضرة التى تعبر عنها انتخابات الرئاسة. فنحن فى حاجة إلى تجديد الدولة بمؤسساتها المتنوعة، وفى نفس الوقت إلى تعميق الفكرة الجمهورية من خلال معارضة قوية مدنية، ما يعنى المشاركة الجادة فى الانتخابات الرئاسية.. فالحضور والمشاركة- بغض النظر عن لمن سيكون التصويت- يعنى الانحياز للدولة الحديثة وللجمهورية.. وبلغة أخرى وحدة تحالف 30 يونيو بجميع عناصرها، والبحث عن المستفيد من تفكيكها وإفساد الانتخابات.