هدأ الطوفان، وبدأت طرق مقطوعة فى العودة إلى العمل بشكل جزئى، اتضح المشهد عقب هدوء الوضع بمصرع شخص وإصابة 7، وخسائر مادية بملايين الجنيهات فى عدة محافظات ساحلية، عانت من واحدة من ضربات الطقس السيئ. ورغم الخسائر فإن المشهد ينفتح أيضا على مجموعة من الفرص التى من المفترض أن تستغلها الدولة. خبراء يعددون الميزات الزراعية التى تنتظر قرارًا من الدولة باستثمار فوائض المياه، أو حتى سياحيًا، بسبب الشلالات الساحرة التى خلّفتها السيول فى جبال جنوب سيناء. فى هذا التقرير، التقت «المصرى اليوم» مجموعات ساعدت فى إنقاذ العالقين.. الجبل كان خلفهم، والبحر أمامهم، ومياه السيول تجرف كل شىء.
أسوار مهدَّمة وحجرات ابتلعتها الأرض وسيارات فارهة لا تزال غارقة فى الوحل، وفندق خاوٍ من رواده، لا يسكنه إلا صرير الرياح، خلَّفها غضب السيل وراءه بعد أن أطاح بكل ما فى قرية وادى الدوم السياحية الواقعة على شاطئ البحر فى مواجهة الجبل المحتضن إحدى القرى السياحية الشهيرة فى المنطقة.
كان يوم الأربعاء قد مر ببعض من السلام بعد أن ضربت الموجة الأولى من السيل القرية، ليقف محمد سعد الدين، 39 سنة، حارس الأمن، أمام إحدى الفيلات التى دمر السيل جزءاً منها يوم الأربعاء، مخافة أن يستهدفها اللصوص. لم يكن محمد يعلم أن السيل سوف يستهدفه هو شخصياً ليوشك أن يقع ضحية له حتى بعد أن أوى إلى سطح الفيلا معتقداً أنه سيعصمه من الماء.
يقول محمد: «كنت واقف حافى فى الميه علشان أحرس الفيلا، شوفت السيل جاى من الجبل وداخل عليا، طلعت فوق الفيلا، لاقيت الناس بتنده عليا وتقوللى تعالى الفيلا هتقع وتاخدك معاها، ماعرفتش أعمل إيه غير إنى أتشاهد على روحى، وبعدين الناس فى العربيات اللى واقفة على الطريق أمام القرية حدفولى حبل وشدونى أكتر من 10 متر، أخبط فى حديد وبراميل وزلط.. الحمد لله أنا كنت قلت قضاء ربنا وقع ومفيش منه مهرب لكن الأجل لسه ماجاش».
بعد يومين من الحبس بصحبة اثنين من أصدقائه داخل الفيلا التى يمتلكها بالقرية، استطاع علاء الطاهر، قبطان بحرى، أن يخرج بما تبقى له من ملابس ملطخة بالطين من آثار السيل. يقول علاء: «ليلة الأربعاء بدأ هطول الأمطار، ظننتها أمطاراً قوية وفقط إلى أن زادت حدتها بعد ساعتين فعلمت أنها سيل. نزلنا نحرك السيارة على تبة عالية حتى لا يجرفها السيل، إلى أن هدأت الأمطار فى الخامسة من صباح الخميس، ولم نكن ندرى أنه الهدوء الذى يسبق العاصفة، لنجد موجة من السيل أشد قسوة من سابقتها فى العاشرة من صباح الخميس».
ينزل القبطان وأصدقاؤه محاولين إنقاذ السيارة الفارهة ودفعها بعيداً عن البحر الذى كان يتلقى من السيل ما يزيحه من وجهه من مياه وأغراض. يضيف علاء: «كان منظراً مرعباً: طوب كبير وزلط بيخبط فى رجلينا كنا متخيلين إن السيل ممكن يكون شايل أى حاجة أبشع من كده».
بينما يكمل المهندس هانى سعد أحد رواد القرية: «الشىء الأكثر بشاعة أن مجموعة من البلطجية دخلوا القرية بمجرد هدم السور، وحاولوا يسرقوا كل الفلل اللى دمر أبوابها السيل، ولولا تصدى أحد النزلاء الذى كان بحوزته سلاح مرخص وأطلق عدة أعيرة نارية فى الهواء كانوا نهبوا الفيلات».
أما ناصر الصفتى، مدير عام قرية وادى الدوم، فيقول: «متعودين بقالنا كذا سنة إن السيل ييجى ويكون بسيط، ويمشى فى المخرات اللى احنا مصممينها فى القرية، لكن المرة دى دمر المخرات نفسها، ودمر كل البنية التحتية فى القرية.. شبكة الكهرباء والصرف الصحى وشبكة المياه والشاطئ اتدمر بالكامل، والدور الأرضى بالفندق غرق تماماً، ويضم المطبخ والمخازن والمغسلة».
يصف الصفتى والعاملون بالقرية كيف جرف السيل فى طريقه إلى البحر كل شىء: سور القرية وإحدى بواباتها ودكَّ كشكين للأمن، ليشق السيل لنفسه طريقاً عمقه متران واتساعه 4 أمتار، وطوله 50 متراً حتى وصل إلى البحر مصطحباً معه كل ما يقابله.
يقول الصفتى: «أخذ السيل فى طريقه كل شىء، لم يمنعه تحصين البوابات الحديدية ولا الأسوار، حتى إنه كسر باب إحدى الفيلات وجرف أثاثها فى طريقه متخطياً أبواب البلكونات ليلقى بكل شىء فى البحر حيث نهاية رحلته».
عن التحرك الحكومى للتعامل مع الكارثة يقول الصفتى: «استغثنا بكل من يمكن الاستغاثة به، الجيش والمحافظة والشرطة ولا مجيب. الجيش قال لى بلغنا الطوارئ والنجدة والدفاع المدنى، ولم نر أحداً من كل هؤلاء. أخبرت الجيش أن الطريق إلينا مقطوع، وعليهم إما أن يبعثوا طائرة أو مركباً من البحر، وفوجئت بتوالى المكالمات كل مرة واحد يقوللى أنا اللواء فلان أو العميد فلان، ويطلبوا منى إنى أوصلهم الناس للبحر وده كان مستحيل، وفى النهاية لم يأت أحد. أخبرتهم أن هناك 150 مواطناً مصرياً فى رقابنا ولكن أحداً لم يستجب». يضيف: «خرج المحافظ على الفضائيات ليعلن أنه ذهب إلى المناطق المضارة ونحن المنطقة الأكثر تضرراً لم نره ولم يفعل لنا شيئاً».
حاولت «المصرى اليوم» الحديث إلى المحافظ أكثر من خمس مرات عبر تليفونه الشخصى بالإضافة إلى رسائل هاتفية للحصول على تعقيب لكنه لم يرد.
عاملون وملاك وحدات فى المنطقة يشيرون بأصابع الاتهام إلى إحدى القرى السياحية الشهيرة التى أضافت عدداً من الوحدات الشاطئية فتسببت فى سد مجرى السيل، وبالتالى تحويله إلى أماكن مأهولة بمساكن أخرى.
عن ذلك يقول خالد يسرى، أحد ملاك القرية والعضو المنتدب بها، وعضو مجلس إدارة جمعية مستثمرى السخنة: «تم تشكيل لجنة من جيولوجيين ومجموعة من المستثمرين للتوجه غداً إلى مخرات السيل ومعرفة ما إذا كان أحدهم قد غير اتجاه المخر أم لا، فهذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها هذا بالقرية ويدمر السيل مخرات السيول التى نقيمها بدلاً من السير فيها.
أما رياض، أحد حراس الأمن بالقرية، فقد كان فى نوبة حراسة ودخل إلى سريره يستريح قليلاً بجوار بوابة 2 للقرية السياحية، ولم يشعر بنفسه إلا والمياه تغمر حجرته وتدفع سريره باتجاه البحر. يقول إبراهيم ضاحى، 27 سنة، أحد العاملين بالقرية: «زميلنا رياض فضل ماشى لحد ما مسك فى السور الأخير للقرية عند المارينا ولما السيل هدى وبحثنا عنه لاقيناه هناك وشديناه بالحبال». يكمل إبراهيم شهادته عن سيول يوم الخميس: «لما الموجة التانية بدأت يوم الخميس كان كل واحد فينا بيدور على حتة يستخبى فيها من السيل وكأنه يوم القيامة، كل واحد بقى يتصل بأهله، اللى يودع عياله واللى يقولهم على الدين اللى عليه، كله كان بيعيط وعيونه متعلقة بالجبل واللى جاى من وراه».
أمام القرية أخذت الأتوبيسات السياحية والإقليمية تقف ظهر الجمعة لا يعرف ركابها ماذا يفعلون فى مواجهة السيل، كان عمال القرية قد هدأوا بعد سكون السيل، وبدأوا فى مساعدة الركاب الأجانب والمصريين على المغادرة.
يقول إبراهيم: «كنا بنشيل الأطفال والحريم ونحطهم على التبة العالية، جنب البورتو، مفيش شىء جنبنا خلى من الدمار، حتى كتيبة الصاعقة المجاورة لينا اتبهدلت ومحدش جالها، السيل دمر سور بارتفاع 4 أمتار ولسه المياه فيها إلى الآن، ثلاجة 20 قدماً جرفها السيل فى طريقه إلى البحر ولم توقفها إلا شجرة عتيقة اصطدمت بها».
بينما كان عمال إحدى شركات الكابلات الكهربائية يقضون ليلتهم معلقين على هياكل خرسانية مرتفعة تحميهم من الغرق، كان أهل قرية «عرب العمارين» ينامون ليلتهم هانئين فى بيوتهم البسيطة الخالية من الكهرباء، لأن الحكومة ترفض، فى المكان الذى اختاروه بعيدا عن مخر السيل صانعين لأنفسهم سدًا رمليًا صغيرا يحيط بالقرية، ويحميها من مياه السيل.
«لم نشهد سيولا بهذه الغزارة منذ 12 عاما، لما المطر زاد يوم الخميس والطريق اتقطع اتصلت بى قيادات من الجيش علشان آخد رجال القبيلة، ونساعد السيارات والأتوبيسات فى عبور الطريق».. بهذه العبارة بدأ الشيخ سالم أبومحيسن، شيخ قبيلة العمارين، شهادته عما حدث أيام السيول، أحد الذين ساهموا بفاعلية، حسب شهادات موظفين وعمال، فى عمليات إنقاذ زوار المدينة الساحلية، بعد أن عجزت الحكومة عن إنقاذهم.
يوضح الشيخ سالم: «هذه السيول خير ربانى لم ننعم به منذ 12 عاما، كان المفروض أن الحكومة تعمل مصرف لمياه السيول. زمان كانت ديارنا وأراضينا مكان ميناء السخنة نعمة من الله ننتظرها كل عام، كنا بنزرع منه كل شىء الزيتون والخضار والبطيخ، ولما نظام مبارك قرر ياخد الأرض، ويعمل الميناء انتقلنا هنا سنة 1992، وكنا نعلم جيدا أماكن مخرات السيول، فتجنبناها عند بناء منازلنا، وهو ما لم يراعيه رجال الأعمال الذين بنوا قراهم السياحية ومصانعهم فى الأماكن الغلط».المزيد