x

عزت القمحاوي فى معنى ومبنى الحزب الوطنى عزت القمحاوي الإثنين 12-05-2014 20:05


بين الترميم والهدم، بين الضم إلى المتحف أو الاحتفاظ به منفصلاً، لم يتم بعد حسم مصير مبنى الحزب الوطنى، وهذا يؤكد أن العمارة لا تحمل ملامح ساكنيها وطريقة تفكيرهم فحسب، بل يتشابك مصيرها بمصيرهم أحيانًا.

عرف جيل يناير 2011 المبنى مقرًا للحزب الوطنى، وربما لم يلتفتوا إليه إلا مع دعاية انتخابات النهاية بسبب اللافتة الكبيرة المستفزة «من أجلك أنت». وقد كان أول ما تعرض للحرق فى ثورة يناير. وأول ما خرج به الشباب من المبنى عند اقتحامه كان ملفات الإتاوات التى يدفعها المتطلعون لعضوية مجلسى الشعب والشورى لترشيحهم على قائمة الحزب، دون أن يعرفوا أن المبنى نفسه بناه عبدالناصر من الرشوة التى حاول الأمريكيون شراءه بها، مثله مثل برج القاهرة. هذه المسافة بين الرشوة المرفوضة والرشوة المقبوضة هى بالضبط المسافة التى قطعتها ثورة يوليو من جمال عبدالناصر إلى مبارك وولده جمال.

برج القاهرة، كان أكثر توفيقًا من حيث الرمز، فهو سبابة تطعن الهواء ردًا على الفساد الأمريكى الأبله، يتناغم بتكوينه الاسطوانى مثل نخلة بين حدائق وقصور الجزيرة، وبقى مبنى لكل المصريين وزوار مصر من السياح. المبنى الآخر أخذ جانب السلطة، بدأ بالاتحاد الاشتراكى وانتهى بالحزب الوطنى، ولا ميزة فيه إلا رمزية الرد على الأمريكيين التى قام بها البرج على أكمل وجه، وأما الدلالات الأخرى للمبنى فلا تذهب إلا باتجاه الإشارة إلى أخطاء الثورة.

المبنى بصرامته السوفيتية يمثل مع مجمع التحرير لسانين لا يتوقفان عن سب القاهرة الخديوية. وبينما يفصل المجمع بين برجوازية وسط المدينة وأرستقراطية جاردن سيتى، ينفرد مبنى الحزب بحصار المتحف المصرى وقطع صلته بالنيل، وكأنه يرمز إلى الانقطاع الذى صنعته الثورة مع التاريخ، عندما وصمت ما سبقها بالجاهلية. وفى الوقت نفسه يمثل العشوائية العمرانية التى وسمت تلك الفترة وقدمت الوظيفة العملية على المتطلبات الجمالية فى تعاملها مع المكان.

ألغى المبنى ميناء المتحف، وحرمه من الفضاء اللازم لتأمل جماله، وهذا الاستخدام الوظيفى للأرض دون مراعاة أى شىء آخر هو الذى نشر المصانع ومصافى البترول فى الأرض الزراعية، لتضع نواة العشوائيات التى نعانى منها إلى اليوم فى كل مدن الدلتا الكبرى وفى العاصمة، التى منيت بتدمير منتجعها الصحى فى حلوان وتعرض نيلها فى الشمال للخنق تحت مداخن المصانع، حتى نهائيًا عن السيطرة، وأصبحت من أقبح عواصم العالم.

لم تنته العشوائية للأسف، ولم ينته المبنى ولم ينته الحزب. الحيرة بشأن المبنى معلنة ومصيره مرتبط برأى اللجان الفنية حول درجة التصدع: هل تجب الإزالة؟ هل يمكن الترميم؟ هل يضاف إلى المتحف لدعم مساحة عرض الفرعونيات أم يتحول إلى متحف للتاريخ؟ وأى تاريخ سيضمه متحف كهذا؟ الحديث؟ حقبة يوليو؟ تاريخ ثورة يناير؟

هذه الحيرة تقابلها حيرة سرية مهموس بها حول المستقبل؛ مستقبل شرعية يوليو التى لم تزل فى حراسة الجيش، ومستقبل الحزب الذى لم يزل فى حراسة المستفيدين منه، هل يعود باسمه أم يرحل أعضاؤه ليقفوا تحت لافتة جديدة، مثلما رحلوا من قبل من الاتحاد الاشتراكى إلى المنابر إلى حزب مصر، إلى الوطنى؟ هل ستلتقى شرعية يوليو مجددًا بالحزب المتصدع؟ ومن منهما سيذهب إلى الآخر؟

أسئلة فى علم الغيب وضمائر خبراء الإنشاءات السياسية، وهؤلاء ـ وليس خبراء العمارة ـ هم الذين سيحددون مصير المبنى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية