لا شك أن أهم ظواهر السينما فى العالم خلال العقدين الماضيين هى كاميرات وعروض الديجيتال، والقنوات الفضائية التى تبث الأفلام دون توقف لكل العالم، وتطور الأفلام التسجيلية وأفلام التحريك الطويلة، بحيث أصبحت تنافس الأفلام الروائية الطويلة فى السوق، ولأول مرة منذ اختراع السينما.
وعلى النقيض من دورة العام الماضى لا توجد فى دورة مهرجان كان هذا العام أى أفلام تحريك طويلة، ولكن هناك 12 فيلماً تسجيلياً طويلاً خارج المسابقة، و6 أفلام فى البرنامجين الموازيين (2 فى أسبوع النقاد و4 فى نصف شهر المخرجين).
وتتنوع هذه الأفلام تنوعاً كبيراً، فهناك أربعة أفلام عن السينما (الأمريكى «هوليوود لا تركب الموجة» إخراج جريج ماكجيلفرى، والبريطانى «مصور: حياة وأعمال جاك كارديف» إخراج كريج ماكال، والسويدى «ولكن الفيلم هو عشقى» إخراج ستيج بوركمان، والفرنسى «دانييل توسكان دى بلانتير» إخراج إيزابيل بارتيوت - بيرى)، والفيلم الهولندى «سوف تنمو الحشائش فوق مدنكم» إخراج صوفى فينس عن الفنان التشكيلى الألمانى أنسلم كيفير،
والفيلم الفرنسى «حنين إلى الضوء» إخراج باترشيو جوزمان عن علم الفلك، والفيلم الصينى «أتمنى أن أعرف» إخراج جيا زانج كى عن مدينة شنغهاى، وأربعة أفلام سياسية (الأمريكى «العد التنازلى إلى صفر» إخراج لوسى والكر عن الخطر النووى، والأمريكى «تحليل وظيفة» إخراج شالز فيرجسون عن الأزمة الاقتصادية العالمية، والرومانى «سيرة حياة نيكولاى شاوشيسكو» إخراج أندريه يوجيكا عن ديكتاتور رومانيا، والإيطالى «دراكولا: إيطاليا تهتز» إخراج سابينا جوزانتى عن تقصير الحكومة الإيطالية تجاه ضحايا زلزال أكولا)، والفيلم البرازيلى «الأحياء الفقيرة» الذى اشترك فى إخراجه 7 مخرجين.
وفى برنامج النقاد الفيلم الدنماركى «أرماديلو» إخراج يانوس ميتز عن الحرب فى أفغانستان، والفيلم الفرنسى «النساء البطلات» إخراج المصورة الفوتوغرافية المعروفة باسم «جى آر». وفى برنامج المخرجين فيلمان عن الموسيقى، أولهما الفرنسى «بيندا بيليلى» إخراج رينو باريت وفلورين دى لاتواى الذى عرض فى افتتاح البرنامج، وثانيهما البريطانى «ستونز فى المنفى» إخراج ستيفن كيجاك، والفيلم السويسرى «كليفلاند ضد وول ستريت» إخراج جان - ستيفان برون عن الأزمة الاقتصاد العالمية، والفيلم الأمريكى «حلبة الملاكمة» إخراج فردريك وايزمان عن الرياضة المعروفة، ومخرجه من كبار مخرجى السينما التسجيلية فى أمريكا والعالم.
وتتنافس الأفلام الأولى لمخرجيها من هذه الأفلام للحصول على جائزة الكاميرا الذهبية لأحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول، وتتنافس الأفلام التى تعرض فى برنامج «نظرة خاصة» للحصول على جائزة أحسن فيلم فى هذا البرنامج، وكذلك الأفلام التى تعرض فى أسبوع النقاد للحصول على جوائز النقاد، ولكن دون التنافس على جوائز المهرجان الأساسية لعدم عرض أى منها فى مسابقة الأفلام الطويلة. والمقصود بهذه العبارة الأفلام الطويلة من الأجناس الثلاثة الروائية والتسجيلية والتحريك، ولكن نادراً ما عرض فى المسابقة أفلام تسجيلية أو تحريك، ونادراً ما فاز أى من هذين الجنسين بإحدى جوائز المهرجان.
ومع التطور المتعاظم للأفلام الطويلة التسجيلية والتحريك أصبح من غير المنطقى أن تظل على هامش المهرجانات الدولية الكبرى. وهناك حل من اثنين لهذه المشكلة، إما أن تكون هناك ثلاث مسابقات للأجناس الثلاثة، أو إضافة جائزتين لأحسن فيلم تسجيلى وأحسن فيلم تحريك، إلى جانب جوائز المهرجان الأخرى.
مايكل مور إيطاليا
«دراكولا: إيطاليا تهتز» إخراج سابينا جوزانتى رابع فيلم تسجيلى طويل لمخرجته منذ فيلمها الأول «يحيا زاباتيرو» عام 2005، والذى كان موضوعه حرية التعبير فى إيطاليا. وقد جاءت المخرجة التى أصبحت تلقب بـ«مايكل مور إيطاليا» إلى السينما من عالم التمثيل والأدب والمسرح والتليفزيون، حيث عرفت بالسخرية السياسية اللاذعة فى أدوارها وكتاباتها وبرامجها.
عنوان الفيلم فى قسمه الأول مزيج من مدينة أكولا التى تعرضت لزلزال عنيف فى 6 أبريل 2009، واسم الشخصية الأسطورية دراكولا التى ارتبطت بمص دماء البشر، وفى القسم الثانى من العنوان إشارة إلى فيلم فيسكونتى «الأرض تهتز» الذى أخرجه عام 1947 عن إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية.
ويكفى هذا العنوان على الأقل بالنسبة للجمهور الإيطالى ليعرف أن المقصود بـ«دراكولا» رئيس مجلس الوزراء الحالى برلسكونى، وأن إيطاليا فى عهده تهتز كما كانت بعد الحرب العالمية.
أدى زلزال أكولا إلى مصرع نحو 300 مواطن وتشريد أكثر من 120 ألفاً. ويكشف الفيلم عن تقصير الحكومة تجاه ضحايا الزلزال، حيث لم ينتقل للحياة فى مساكن جديدة سوى 30 ألفاً، بينما لايزال 40 ألفاً يسكنون فى الفنادق، و50 ألفاً يعيشون فى الخيام، ولاتزال المدينة «مدينة أشباح».
كما يكشف عن استخدام برلسكونى للكارثة، حتى إن الإعمار بدأ بعد ستة شهور يوم عيد ميلاده، وبثلاثة أضعاف تكاليف البناء.
أزمة دبلوماسية وإقبال جماهيرى
تسبب اختيار الفيلم للعرض فى مهرجان كان فى أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وفرنسا، وذلك بعد إعلان وزير الثقافة الإيطالى ساندرو بوندى يوم 8 مايو رفضه دعوة رسمية لحضور المهرجان قائلاً «إن الفيلم دعاية سياسية تسىء إلى الحقيقة وإلى الشعب الإيطالى».
وحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية - نشر فى 9 مايو - انتقد دانيللى لوكيتى، مخرج الفيلم الإيطالى الوحيد فى المسابقة «حياتنا»، موقف الوزير بعنف وقال: «لا أدرى حقاً ماذا أقول عن وزير يخجل من حرية التعبير» و«أن البلاد الحرة تفخر بعرض مثل هذا الفيلم فى الخارج».
وحول موقف الوزير قال لويجى دى ماجيستريس، النائب الإيطالى فى البرلمان الأوروبى: «الفن لا يهين الحرية ولا الشعب الإيطالى، وإنما الوزير الذى بدلاً من أن يتشرف بالفيلم يقوم بدور (الخادم الأمين) لرئيس الوزراء».
وفى ظل هذه الأزمة بدأ عرض الفيلم فى إيطاليا يوم 12 مايو قبل عرضه فى المهرجان يوم 13، وعرض على 120 شاشة وحقق فى اليوم الأول 260 ألف يورو. وفى النشرة اليومية لـ«فارايتى» صرحت سابينا جوزانتى فى عدد 13 مايو قائلة: «إننى لا أحب برلسكونى، ومع ذلك حاولت أن أكون موضوعية وهو ما لا يتنافى مع كونى صاحبة وجهة نظر»، وقالت: «كثيرون فى معسكر الإيواء كانوا خائفين وهم يتحدثون عن الفيلم، وكثيرون رفضوا الحديث أصلاً، ومنهم من يعملون فى الصحافة، وهذا يعنى أن إيطاليا لم تعد بلداً حراً». ولم تعلق المخرجة على موقف وزير الثقافة، ولكنها قالت: «هدفى الأساسى فهم ما الذى يحدث».
وعندما شاهدت هذا الفيلم عن تقصير الحكومة الإيطالية تجاه ضحايا الزلزال بعد أقل من سنة من وقوعه، تذكرت تقصير الحكومة المصرية تجاه ضحايا كوارثنا المتعددة مثل قطار الصعيد وغرق العبارة وسقوط صخرة المقطم فوق سكان حى الدويقة، وتذكرت تقصير السينما المصرية التسجيلية فى التعبير عن تقصير الحكومة تجاه ضحايا هذه الكوارث، والذين تمر عليهم السنون دون أن تحل مشاكلهم.