x

صحيفة أمريكية: فلسفة «تولستوي» قد تنقذ روح «بوتين»

السبت 10-05-2014 13:59 | كتب: أماني عبد الغني |
لقاء بوتين على الهواء للإجابة على أسئلة شبكات التواصل الاجتماعي لقاء بوتين على الهواء للإجابة على أسئلة شبكات التواصل الاجتماعي تصوير : other

قالت صحيفة «ديلي بيست» الأمريكية، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إذا آثر تبني فلسفة الأديب الروسي ليو تولستوي على فلسفة نظيره الروسي فيودور دوستويفسكي لنعمت أوكرانيا بحالة أكثر هدوءًا وسلامًا مما هي عليه الآن، ولنعمت روسيا أيضًا بمستقبل أفضل.

وأوضحت الصحيفة، في مقال نُشر، السبت، للكاتب أندرو دي كاوفمان، أن الأحداث التي يشهدها المسرحين الروسي والأوكراني في الوقت الراهن، لا تقتصر في أبعادها على البعد الجيوسياسي، ولكن دوافعها مترسخة في جوهر الروح القومية للمواطن الروسي منذ عقود مضت، وهو ما يستدل عليه من الأدب الروسي الذي أبدع في تجسيدها، حيث تمحورت كلاسيكيات القرن التاسع عشر حول معضلة واحدة، هي نفسها التي تصارع فكر الرئيس الروسي الحالي، ألا وهي: ما هو مصدر عظمة روسيا ومجدها؟.

وأضافت أن «بوتين» في إطار محاولته إيجاد الحل لتلك المعضلة، وجد نفسه أمام فلسفتين مختلفتين لاثنين من الأدباء المفضلين بالنسبة له، إما فلسفة «دوستويفسكي» الذي يؤمن بتفردية الإمبراطورية الروسية، أو فلسفة «تولستوي»، الذي يؤمن بعالمية وعمومية التجربة الإنسانية، التي يسقط معها الحواجز الجنسية والثقافية والدينية، ومن بينهما تخير «بوتين» فلسفة «دوستويفسكي».

وأردفت أن «دوستويفسكي» يؤمن بأن المهمة التي تفردت بها روسيا عن غيرها تتمثل في بناء إمبراطورية سلافية مسيحية، تتزعمها روسيا، ولعل رؤية «دوستويفسكي» هذه نابعة عن اعتقاده بأن روسيا هي البلد الوحيد الذي بلغ مرحلة النضج الروحي من بين كل دول العالم، وأنها بذلك قُدِر لها أن تقوم بدور الموحد والقائد للشعوب السلافية، وهكذا صاغها في إحدى مقولاته عام 1881، «إن مهمة روسيا هي توحيد كل شعوب وقبائل الجنس الآري»، على عكس «تولستوي» الذي يؤمن بأن لكل بلد تقاليده وثقافته التي قد لا تكون أسمى أو أدنى من ثقافة بلد آخر، ذلك أن «تولتسوي» رغم وطنيته وحبه لبلده، فإنه لم يكن مناصرًا لفكرة القومية، كما اتضح من روايته الحرب والسلام، بل كان مؤيدًا لتفرد كل دولة بثقافتها وبفكرة أن عظمة البلد وكرامته يكمن في ذلك التفرد الثقافي.

وأوضحت «ديلي بيست» أن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أظهرت تعلقًا أكبر بفكر «دوستويفسكي»، الذي يتماشي وطبيعتها الخشنة على عكس فكر «تولستوي» الأكثر هدوًءا ونعومًة وإنسانية.

وأشارت إلى أن الأحداث المأسوية التي شهدتها روسيا خلال القرن العشرين، بشكل عام، وخلال العقدين الماضيين بشكل خاص، دفع الكثير من الروس إلى البحث عن دليل دامغ على أهلية روسيا وقدرتها على إنشاء قومية تتزعمها، وعلى علو شأنها وسط بقية الدول التي تنتمي لنفس العائلة السلافية.

وأوضحت الصحيفة أن «بوتين» الذي يستدل على تبنيه للفلسفة المسيحية التي أطلقها «دوستويفسكي»، من خطاباته التي لم تخل من أقتباسات وأقوال مأثورة لفلاسفة ينتمون لمدرسة «دوستويفسكي»، نفسها، مثل سولوفيوف، بردييف، وإيلاين، حتى إنه في إحدى لقاءاته التليفزيونية أبريل الماضي، قال «هناك عدد كاف من القوى حول العالم تخشى قوتنا، وضخامة كتلتنا الدولية، ولذا يسعون إلى تفتيتنا لأجزاء صغيرة»، لديه أيضًا من الدوافع ما جعله يؤثر تلك الفلسفة على فلسفة « تولستوي».

وفسرت ذلك بأن الخوف من القوى الأجنبية ذات المطامح التوسعية، مترسخ في سريرة فلاديمير بوتين، خاصة أن أحد أشقائه مات بسبب الاختناق الذي تعرضت له مقاطعة لينيجراد، أثناء حصار النازي لها خلال الحرب العالمية الثانية، كما أن جدته من الأم لاقت مصرعها على يد الألمان أثناء الحرب، واختفى إخواله وهم يحاربون في الجبهة، وعلى ذلك فإن تضافر ماضي روسيا مع تفاصيل الحياة التي عاشها، يبرر طبيعة السياسة التي ينتهجها «بوتين» ولماذا يسعى دومًا لأعلوية روسيا وتسيدها في عالم «يتصف بالعداء».

وأضافت أن اقتحام «بوتين» شبه جزيرة القرم واختراق الحدود الأوكرانية قد يبدو له تحركًا استراتيجيًا بارعًا، وخطوة واثبة على طريق استعادة الهيمنة الروسية، ولكن العواقب الوخيمة لتلك الخطوة ستتضح في غضون سنوات قلائل وربما شهور، ذلك إنه مع تزايد العقوبات الدولية ستصبح روسيا بلدا منبوذا، فضلًا عن أن التحديات الإدارية والثقافية التي ينضوى عليها ضم شبه جزيرة القرم، إضافة إلى السياسة التي ينتهجها «بوتين«» والتي وضعته في قالب واحد مع نابليون بونابرت، كلها عوامل سترفع فاتورة روسيا وتكلفها الكثير على المستوى السياسي والاقتصادي والروحي أيضًا.

واختتمت الصحيفة أن «دوستويفسكي» لو كان قد أرسى بدون قصد الفلسفة التي أقام عليها «بوتين» سياسات ستنعكس سلبًا على روسيا، فإن «تولستوي» على الجانب الآخر يقدم الحل للخروج من تلك الأزمة، ويعيد روسيا إلى مكانتها ومبادئها الرفيعة بين الدول، ولكنه الحل القائم على التحلي بالتواضع ونبذ الغطرسة، والذي لخصه «تولستوي» في جملة صاغها بروايته «الحرب والسلام» حيث قال: «العظمة تنتهى حين تغيب مبادئ البر، والبساطة، والحقيقة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية