x

أحمد الدريني الدولة العميقة والدولة الأعمق..ابتهج أنت في مصر! أحمد الدريني الأحد 04-05-2014 21:25


(1)

لا يمكن الجزم بسهولة، أن فلانًا الفلاني هو مرشح الدولة العميقة، أو ما

شابه من مسميات، أو أن اتفاقا إقليميا جرى بمقتضاه الوصول لبعض القرارات

الحاسمة بشأن مصر والمنطقة، وأن الراعي والضامن هو هذه "الدولة العميقة".

فإذا ما سلمنا بأن هناك دولة عميقة فعلا في مصر، فإننا –بالضرورة- مضطرون

للإذعان لحقيقة أن هناك دولة عميقة، ودولة"أعمق"!

بل، الخطير والمربك، أن الدولة الأعمق تتلاعب بأختها "العميقة"، وقد

تتضارب المصلحتان أحيانا. بل، وثالثة الأثافي، ربما لا تدرك العميقة، أن

الأعمق موجودة أصلا!

ولست هنا لأجادل عن وجود العميقة من عدمه، ولا عن وطنيتها من أنانيتها من

رعايتها لمصالح أكبر من مصلحة الوطن..أو أي من هذه الفرضيات غير

الملموسة.

(2)

المتأمل للمشهد المصري في سنواته الأخيرة، سيلمح هذا التضارب البائن وعدم

تجانس إرادة الدولة المصرية، بل بالأحرى "إرادات" الدولة المصرية.

فمثلا في التسريبات التي ملأت الفضاء العام في الشهور الأخيرة، من كان

صاحب المصلحة؟

تسريبات السيسي التي بثتها رصد، ربما أضافت له ولم تخصم منه، ولم يفهم

أحد هل كانت شبكة رصد الإخوانية مخترقة لهذا الحد؟ أم أنها رعونة وغباء

"الجماعة" فحسب؟

حسنا، سنتبنى فرضية أن الدولة العميقة الجبارة سربت هذه التسريبات حول

شخصية السيسي وملامحها عبر خصومه في تنظيم الإخوان..فمن إذا الذي سرب

للسيسي تسجيلا أثناء أدائه قسم رئاسة جهاز المخابرات الحربية، ممتنا في

نهاية القسم لـ"حسني مبارك" الذي ينقل محيطو السيسي وعوده بأنه لن ينتج

دولته مرة أخرى؟

ومن الذي سرب تسجيلا من فيلم عربي قديم يظهر فيه السيسي كممثل شاب يؤدي

دور ضابط جيش؟

وإذا كان الجناح العسكري بامتداداته السياسية ممثلة في السيسي وشفيق

وعنان، يتصادم داخليا مع بعضه بعضا، فمن يقف في صف مَن، داخل هذه الأجهزة

والمصالح المتشابكة؟

هناك تسريبات محرجة لشفيق اضطر لتكذيبها، وهناك تسريبات لعنان أظهرته

خاضعا للمراقبة في كل حركاته..

هناك تسريبات للبرادعي..وهناك تسريبات للنشطاء السياسيين..هناك تسريبات

للجميع، تصب في مصالح مختلفة وتخصم من مصالح مختلفة..لكنها أبدا ليست

متجانسة في مصدرها ولا في هدفها!

(3)

أظهرت وثائق أمن الدولة التي حصل عليها مواطنون بعد اقتحام مقار الجهاز

البغيض عقب ثورة يناير، عن قيام أمن الدولة بالتجسس على الجيش داخل بعض

الوحدات، وأثناء مهام تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، فضلا عن نقل

هذه الوثائق لوقائع جرت داخل واحدات عسكرية.

وبعد الثورة، تحفظ جهاز المخابرات الحربية على وثائق أمن الدولة، ولم يعد

أحد يعلم مصيرها.

ثم طفر حديث من العدم قبل شهور، ثم اختفى مرة أخرى، عن تنازع المخابرات

العامة والحربية مهام إدارة شؤون البلاد..

كله كلام مرسل، لكن حتى في إرساله هذا، دلالات، لا يجوز إهمالها جميعا،

كما لا يصح قبولها على عواهنها.

(4)

وسائل الإعلام مصنفة بوضوح بالنسبة للعاملين فيها، فهذه المحطة تابعة

للجهاز الفلاني، وهذه الجريدة تصدر بإشراف الجهاز العلاني..هذه تحمي شبكة

المصالح الفلانية، وهذه تصب لشبكة المصالح العلانية.

أي نعم تتقارب الإرادات وتتشابه الأهداف..لكن هناك خطوطا غليظة تفرق

المسارات عن بعضها البعض في كثير من الأحيان..وكأنهما لا يعبران عن إرادة

دولة واحدة أو نظام حكم واحد.

فقد نقلت صحيفة قومية يومية قبل شهور تقريرا مفصلا عن جهود جهاز

المخابرات العامة لتلافي ما جرى في رابعة عبر عدة مفاوضات بين الإخوان

والجماعة الإسلامية والمخابرات، لكنها فشلت في نهاية المطاف بسبب الجماعة

الإسلامية، وفقا لرواية مصدر المخابرات العامة.

في حين كانت وكالة رويترز للأنباء (وأداؤها محوط بشبهات يصعب حصرها) تنقل

تقريرا تفصيليا عن مصادر (لم تسمها صراحة) داخل وزارة الداخلية، تقول

بوضوح إن هناك اتجاها انتقاميا من الإخوان جرى تبييته أثناء الفض.

(5)

حين كان السادات يفاوض الصهاينة في كامب ديفيد، كان الوفد المرافق له

يسعى لإفساد المفاوضات دون أن يدري السادات نفسه!

وهي الوقائع التي وثقها بطرس غالي في كتابه (طريق مصر إلى القدس)، والتي

يختزلها المسمى الطريف الذي أطلق على مجموعة المفاوضين المصريين آنذاك

الذين أطلق عليهم "عصابة وزارة الخارجية".

فقد اضطلعوا بـ"كلكعة" كل شيء قانونيا وديبلوماسيا، وكانوا يسخرون من

الإسرائيليين بصورة لافتة في المفاوضات، وكان هناك شيء ما في أدائهم

العام يجعلهم أقرب لعصابة منهم لوفد دبلوماسي.

حيث كانوا يفسدون خطوات السادات، وفقا لما يرون أنه المصلحة الوطنية،

ووفقا لتقييمهم لخطوات السادات بأنها ليست حصيفة بالمرة، وجرى هذا

الاتفاق/التآمر/الوطنية من الوفد المرافق لرئيس الدولة نفسه!

ورئيس الدولة نفسه، تم اغتياله على يد ضباط من الجيش، كانوا يعقدون

اجتماعاتهم في مسجد بمقر المخابرات الحربية، بقيادة عبود الزمر.

أي أن أجنحة داخل الدولة (عسكرية وديبلوماسية ومخابراتية) قد تغض الطرف

برضاها عن ممارسات جناح بعينه أو جماعة بعينها، هذا إذا ما استبعدنا

فرضية الإهمال.

وكثيرا ما تردد أن الإطاحة بعمرو موسى من الخارجية لم تكن بسبب غيرة

مبارك منه، بمقدار ما كانت بسبب ضيق عمر سليمان شخصيا به، وتنازع كليهما

المهام، واختلاف المنطلقات فالأهداف، في سياسة مصر الخارجية!

(6)

كم يبدو مثيرا للشفقة أن تكتب مقالا مشبعا بنظرية المؤامرة، وينطلق من

عدة فرضيات غير ملموسة، في محاولة للوصول لنتيجة متماسكة!

الحاصل، أن كل إرادة يبدو لك أنها إرادة "الدولة العميقة"، لن تكوت نافذة

بالضرورة، إذ إن أختها الأعمق قد لا توافقها الرأي..

استمتع..أنت في مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية