أكد الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، أستاذ الأدب العربى الحديث والنقد، أن ما تشهده الفترة الحالية من أعمال عنف وإرهاب هو نتاج الثقافة المصرية التى أصبحت فى وضع كارثى منذ سنوات. وأضاف «عصفور» أن المجتمع يعانى من ثقافة التخلف التى أدت إلى ظهور جماعات إسلامية متشددة، ودعا إلى تشكيل مجموعة وزارية متكاملة تكون مهمتها تثقيف الناس. وحول رأيه فى الرئيس القادم قال إن المشير السيسى شخصية مناسبة لتولى رئاسة الجمهورية.. وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى حالة الثقافة فى ظل الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة؟
- كل ما نراه من عمليات عنف وإرهاب سببه أن الثقافة المصرية فى وضع كارثى حتى قبل أيام مبارك، فمنذ أن جاء السادات إلى الحكم، ومن خلال تحالفه مع الجماعات الإسلامية، وعقول الشعب المصرى مستهدفة من ثقافة تخلف تتوجه إليها بوسائل مختلفة، وتلك الثقافة تقوم على التعصب الدينى والجهالة، والشك فى العلم وعدم احترامه، والإيمان بالغيبيات، والتمييز بين القبطى والمسلم وبين الرجل والمرأة، وبالطبع هى تعتمد على الماضى وتتطلع إليه أكثر مما تنظر إلى المستقبل وتفكر فيه أو تخطط له، ولهذا تجد فى كل معارض الكتب التى نقيمها - حتى على مستوى العالم العربى - أن الكتب التى تتحدث عن الماضى أكثر من تلك التى تتحدث عن المستقبل، وهذا هو سبب ضعف ما يسمى دراسة المستقبليات فى جامعاتنا وفى ثقافتنا بشكل عام.
■ كيف يمكن أن تصل الثقافة إلى جميع المواطنين فى النجوع والقرى؟
- الإجابة عن هذا السؤال تتطلب أن نحدد ماذا نقصد بالثقافة أولاً، فنحن عندما نتكلم عن الثقافة هنا لا نقصد وزارة الثقافة فقط، ولكننا نقصد الوعى المجتمعى، ما يتعلق بالتعليم والإعلام والفكر الدينى السائد والعقليات والعادات الاجتماعية، الثقافة بمعناها الشامل وليس بالمعنى الضيق الذى ينحصر فى الإبداع والفنون، فإذا وضعنا فى اعتبارنا أن لدينا أكثر من 40 مليون مواطن تحت خط الفقر، ونسبة أمية مثلها تقريباً، بالإضافة إلى كم هائل من العشوائيات، فسنعرف أننا نواجه مجتمعاً كارثياً، لذلك فمسؤولية نشر الثقافة فى المجتمع تقع على عاتق 5 وزارات على الأقل، حيث يجب أن تتشكل داخل مجلس الوزراء مجموعة وزارية يكون اسمها مجموعة التثقيف، تعمل فى إطار منظومة متكاملة تبدأ بالتعليم، وهى أهم وزارة، إذا انصلحت انصلحت جميع الوزارات، تليها وزارة الإعلام، ثم وزارة الثقافة، ووزارة الأوقاف، حيث لدينا أكثر من نصف مليون واعظ وإمام مسجد كثير منهم غير مؤهلين، ثم يأتى دور وزارة الشباب، فهى خماسية تبدأ بالتعليم وتنتهى بالشباب.
ويجب أن تكون لدى تلك المنظومة استراتيجية شاملة لتنوير عقول الناس، وأن تأخذ الدولة الموضوع على محمل الجد، وليس مجرد شىء مظهرى، وأن تأتى بوزراء فى هذه المجموعة قادرين على تنفيذ الاستراتيجية العامة للتثقيف، والتى يمكن أن تضعها وتشرف عليها مؤسسة الرئاسة بالاستعانة بالخبراء.
■ وكيف نضمن وجود التعاون بين وزارات تلك المجموعة؟
- وزارة الثقافة تشتكى مثلاً من عزوف الجماهير عن الذهاب إلى المتاحف، فإذا تم التنسيق بينها وبين وزارة التعليم، بحيث يعطى وزير التربية والتعليم تعليمات بأن يكون جزء من أعمال السنة زيارة المتاحف وكتابة تقرير عنها، يمكننا حينها أن ننشر الوعى الثقافى لدى جيل بأكمله، وبالنسبة لوزير العمل، لديه الجامعة العمالية شبه مغلقة، فلماذا لا ينسق مع وزير الثقافة، ويستقدم مجموعة من كبار المثقفين ليعطوا محاضرات للعمال فى الجامعة، فيحدثوهم فى قضايا عامة وفكرية، الأمر الذى من شأنه أن يزيد من وعى العمال.
■ ما مؤشرات وجود ثقافة حيوية فى مجتمع ما؟
- الثقافة تبدأ من العقل وتنعكس على تعبيرات الجسد، والمجتمعات لها مقاييس للتحضر، أولها ارتفاع درجة القراءة فى المجتمع، ولديك معدلات منحدرة إلى أبعد الحدود فيما يخص القراءة، انظر مثلاً إلى أعلى نسب من توزيع الروايات أو ما يقال عنها Best Seller فى أوروبا مثلاً، فالكتاب يوزع بالملايين، وليس لديك كاتب عربى واحد يوزع بالملايين، وأقصى رقم يصل إلى عدة آلاف، وثانيها مدى إقبال الناس على الاستمتاع بالفنون بمختلف أنواعها، من أوبرا ومسرح ورسم وموسيقى، بالإضافة إلى مدى ارتفاع الذوق العام.
■ ما رأيك فى منع عرض فيلم نوح من قبل الأزهر الشريف؟
- تعجبت كثيراً مما حدث من تصدى علماء الأزهر لمنع فيلم نوح، دون أن يجعلوا من هذا فرصة لفتح باب الاجتهاد فى هذه الأمور المستجدة، فمسألة الأفلام الخاصة بالأنبياء وغيرهم لم تكن موجودة لا فى عهد النبى ولا الصحابة ولا فى عهد الأزمنة الأولى، فهى أمور مستجدة تستدعى أن نفكر فيها بعقليات جديدة تتناسب مع العصر، وبما أنه ليست لدينا نصوص صريحة فى التحريم أو التحليل، فيجب أن نحكم عقلنا ونضع فى اعتبارنا الفائدة التربوية، فمثل هذه الأفلام تشيع وعياً دينياً راقياً بين الناس، من خلال الارتقاء بالأحاسيس الجمالية الدينية.
ورفض الأزهر للفيلم مؤشر على سيطرة عقليات تتزايد تشدداً وجموداً ولا تتعامل مع العصر، فالأزهر لم يستأنف حركة الاجتهاد التى بدأها الشيخ محمد عبده، وكان له منطق بسيط، هو: أعمل عقلك وانظر إلى مصلحة الجماعة دون أن تتعارض مع قواعد الدين الواضحة والثابتة.
■ كيف ترى مستقبل جماعة الإخوان المسلمين فى مصر؟
- الإخوان يضربون بجذورهم فى المجتمع، والثقافة الموجودة عند عامة الناس ما زالت تسمح بوجود إخوان مسلمين مرة أخرى، وهم يعملون حالياً مع كل من يحقق غرضهم، وهو الانتقام من السيسى ومن أسقطوهم، وسبب استمرارهم هو أن لديهم دعماً مادياً من قطر وتركيا وإيران، ودعماً معنويًّا من الاتحاد الأوروبى وأمريكا، والإخوان أجيال، فلا يجب أن نراهن على القيادات الحالية، بل نراهن على المستقبل.
■ وكيف تنظر لوجود حزب النور السلفى فى المشهد السياسى؟
- الفكر السلفى ليس أفضل من الفكر الإخوانى، وربما كان أخطر، لكنه حتى الآن يتظاهر بأنه داعية سلام، فلم يكن من قبيل المصادفة أن عدداً لا بأس به من السلفيين كانوا موجودين فى رابعة، وعدد منهم مشترك فى العمليات الإرهابية حتى اليوم.
■ تختلف الآراء حول ترشح المشير السيسى بين من يرى أنه الأصلح ومن يرى أن انتخابه قد يؤسس استبداد عسكرى فى مصر، ما رأيك؟
- بوجود الدستور الحالى وبوجود رئيسين فى السجن الآن هناك ضمانات كافية كى لا تتكرر تجربة الاستبداد مرة أخرى، وأنا أظن بالرجل خيراً، وهو شخصية مناسبة لتولى رئاسة الجمهورية الآن، فكل الناس الذين عرفوه وتعاملوا معه يقولون إنه مستمع جيد، ولا يتحدث إلا بعد أن يسمع جميع الآراء.
■ بماذا تنصح رئيس مصر القادم لتحقيق نهضة ثقافية حقيقية؟
- الرئيس القادم لديه فرصة ذهبية لأن يبدأ فى تحقيق نهضة كبرى، إذا ما أحسن استخدام كل إمكانيات مصر المتاحة، وأن يضع نصب عينيه شعار طه حسين «التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن».
■ وكيف يمكن تحقيق المشروع النهضوى؟
- يمكن بشرط وضع خطة شاملة لاستخدام الطاقات المتاحة، وإلى جانب الخطة لابد من وجود رؤية وخيال، لاختراع عشرات الوسائل غير التقليدية لحل المشاكل الكثيرة، ومن حق هذا الشعب أن يحلم، فمن يحلم سيحقق ما يحلم به يوماً ما.