يطلقون عليها حارسة الآثار المصرية وسيدة الحفائر، قضت سنوات عمرها مولعة بتركة الفراعنة، فتوجتها بسبع سنوات ترأست فيها المتحف المصرى كانت آخرها قبيل اندلاع ثورة 25 يناير. قدمت نموذجاً رائداً فى مجال العرض المتحفى عندما ضمنت المتحف المصرى أول مدرسة من نوعها للمكفوفين ثم أصبح نهجاً يحتذى به فى معارض العالم دون استثناء، وبفضل تلك الفكرة حازت تقدير وإشادة البابا بنديكت، بابا الفاتيكان.
حصلت على وسام حمامة السلام الذى تمنحه الحكومة الألمانية للشخصيات المؤثرة عالمياً، وأخيراً سطرت صفحات من حياتها مقترنة بصفحات من تاريخ الوطن فى كتابها الذى صدر بالألمانية «ليس هناك سوى الطريق المستقيم».
الدكتورة وفاء صديق، رئيس المتحف المصرى سابقاً، تجيب عن أهم الأسئلة المتعلقة بما تعانيه آثارنا المصرية عبر السطور التالية:
■ أمسكت بزمام منصب مهم طوال 7 سنوات والآن تتربعين على سدة الاتحاد الدولى للحفاظ على التراث.. ما تقديرك لعدد القطع الأثرية التى سرقت فى وقائع جمعة الغضب وماذا عن جهود الاتحاد الدولى فى استعادة ما سرق من آثار مصر؟
-هناك أرقام تتحدث عن 35 قطعة أثرية نادرة وتصريحات رسمية تقول إن الرقم يتخطى الـ50 قطعة، وفى كل الأحوال الرقم ليس بهين، فلو فقدت قطعة واحدة أنا أعدها كارثة، لكن المربك فى الأمر والمستعصى على التفسير أن يتعرض المتحف المصرى للهجوم وقد كان المكان الأكثر أمانا وتأميناً فى مصر، فأذكر أن البنك المركزى عندما أراد أن يحفظ عددا من المقتنيات الثمينة أودعها لدى المتحف المصرى بالتحرير لأنه كان أكثر مكان مؤمن فى مصر.
لنا أن نتخيل حجم الكارثة، ثم إن المتحف مؤمن بكاميرات مراقبة ترصد كل صغيرة وكبيرة فى محيطه على بعد عدة أمتار فأين ذهبت التسجيلات وأى سارق هذا الذى درس وخطط للهجوم وبحوزته خريطة مفصلة للمتحف ولأماكن تثبيت الكاميرات فكان هدفه الأول إتلافها وسرقة التسجيلات وعدد من القطع التى سرقت لم تكن فى العرض المتحفى، ولغز المتحف المصرى يحتاج إلى من يفك شفرته لكن الآن أنا حزينة جداً على كل قطعة فقدتها مصر من تاريخنا ومستقبلنا.
■ حول من تحوم الشبهات بخصوص سرقة آثارنا المصرية؟
-من لهم مصلحة، فتشى عن صاحب المصلحة ومهووسى الاقتناء وحب التملك.
■ ماذا عن جهود الاتحاد الدولى للحفاظ على التراث الذى ترأسينه الآن فى محاولة ضبط واسترداد المسروقات؟
-مهمة التتبع فقط من صلاحيات الاتحاد، ثم بمجرد أن نجد قطعة مسجلة معروضة للبيع نبلغ عنها ونطالب على الفور الجهة التى تعرض لديها بإعادتها للحكومة المصرية، بارقة الأمل الوحيدة فى مسروقات المتحف المصرى، هى أن جميع القطع مسجلة، بما فى ذلك الآثار التى لم تقدم للعرض ولها رقم تسلسل دولى وفى حال عرضت للبيع أو فى أى متحف دولى ستستردها مصر وستتخذ الإجراءات اللازمة.
■ هناك من يقول إن صاحب المصلحة فى سرقة الآثار المصرية واحد من اثنين.. إما إسرائيلى أو إخوانى.. ما تعليقك؟
-إخوانى لا أعتقد، فهو فى الغالب لا يعرف قيمة القطع الحجرية والخشبية، وهو ليس مهووساً بالآثار ويتبنى عقيدة فكرية تنظر للآثار بوصفها أصناماً أو ما شابه ذلك، أما بالنسبة للإسرائيلى فهناك احتمال، فقد أشارت أصابع الاتهام لليهود فى سرقة متحف بغداد، فهم يسعون لسرقة التاريخ ونسبه إليهم، لكن هناك متهم آخر فقد قيل لى فى ألمانيا وفى مقر الاتحاد الدولى بلندن أيضاً اسألوا فى قطر عن آثاركم المسروقة فى الثورة؟!
■ كانت لديك تجربة رائدة فى إدارة المتاحف، فكنت أول من أنشأ مدرسة للمكفوفين داخل أبنية المتحف المصرى.. كيف يقيم العالم المتقدم التجربة الآن؟
-نعم، فقد كنت أول سيدة عربية تحصل على جائزة حمامة السلام التى تمنحها ألمانيا للشخصيات المؤثرة عالمياً تقديراً لهذا الجهد، وتجربة مدرسة المكفوفين الآن تحسب لمصر وتقتدى بها بلدان العالم ففى كل المتاحف بالعالم ترفق أماكن عرض للمكفوفين يتمكنون من أن يلمسوا القطع ويتخيلوها ويستمعوا إلى قصص عنها، وهذا ما اعتبره البابا بنديكت مثارا للفخر أن نفكر فى غيرنا ممن لا يملكون نفس قدرات الأسوياء ليعرفوا تاريخهم.
■ لكن يعاب على كل الإدارات التى تعاقبت على المتحف وأنت واحدة منهم أنكم برغم كل ما تبذلونه لم تنجحوا فى جذب المصريين من العامة للتعرف على آثارهم وحضارتهم.. فما دفاعك؟
-ليس لدى دفاع، لأنى أعترف بذلك، فقد كان شغلى الشاغل هو البحث وراء الأسباب التى تجعل المصريين يحجمون عن زيارة المتحف المصرى برغم أن سعر التذكرة لا يتعدى جنيهين؟ وقد أجريت دراسة حول ذلك فاكتشفت مفاجأة أن معظم المصريين يعتقدون أن المتحف مكان مخصص لزيارة الأجانب فقط وبعضهم يرى أنه لا يمكن زيارة المكان فى أى وقت من العام. المفاجأة أن معظم سكان منطقة التحرير لم يزوروا المتحف ولو مرة !! لكننا نجحنا فى جعل المتحف مؤسسة تعليمية وتثقيفية ومعلوماتية من خلال مدارس الترميم والمدارس الفكرية ومدارس ذوى الاحتياجات الخاصة. وغيرنا النظرة للمتحف خاصةً بالنسبة للمصريين بعد أن كانت نسبة زيارات المصريين السنوية 2% أصبحت حالياً 20% وهذا نجاح كبير.
■ هناك أطروحات أكاديمية تقول إن أصل الحضارة المصرية أفريقى.. ما مدى دقة هذا الطرح برأيك؟
نعم هذا حقيقى، فالحضارة المصرية تنحدر من أصول إفريقية وما سجله المصرى القديم فى متاحف النوبة والأقصر خير دليل، فعندما نتتبع رسومات المعابد نجد الملامح السمراء ذات السمات الأفريقية تغلب على الرسومات، أيضاً الألوان بمزاج القارة السمراء تصطبغ بلون الشمس القانى، ناهيك عن ما تنقله الجدران من طرق وأساليب العيش المختلفة التى لاتزال بعض القبائل الأفريقية تعتمد عليها.
■ من واقع دراستك لتاريخ مصر القديم.. هل يمكننا استحضار فترة من تاريخ المصريين القدماء تشبه ما تعيشه مصر الآن؟
- نعم المتأمل فى تاريخ المصريين القدامى يمكنه بسهولة أن يستخلص درساً مهماً، فمصر طوال فترات نموها وازدهارها كان يحكمها حاكم قوى عادل فالعدل هو أيقونة الحكم على مر عصور النهضة لدى الفراعنة، وفى فترات الاضمحلال الأخلاقى والفكرى والعلمى والأدبى كانت رهينة بحاكم ضعيف، ولو نظرنا تاريخ مصر القديم نجد أنه مقسم إلى فترات مرتبطة بأسرات فالأسرة تنتهى عندما يأتى حاكم ضعيف إلى الحكم ثم تبدأ فترة أخرى بحاكم قوى يحقق نهضة حقيقية، وقد تتخلل تلك الفترات عصور من الفوضى تتفكك فيها المركزية وينقسم حكام الأقاليم فيثور الشعب ويفرض بإراداته حاكمه الذى يعيد لحمة البلاد ويفرض سيطرته مجدداً على الأقاليم، لذلك فالجينات الوراثية للشعب المصرى ضد التفتيت والانقسام وعندما استشعر خطراً على وحدته واستشعر ضعف حاكمه ثار على من منحه صوته منذ البداية.
■ هل ينقل لنا تاريخ القدماء ثورة استمرت لسنوات طويلة وعن ماذا تمخضت؟
-نعم، ثار قدماء المصريين على حاكم ضعيف يدعى الملك «بيبى» دامت الثورة لمائتى عام تولى خلالها حكام ضعاف تمت الإطاحة بهم وكان أشهر ما ميز تلك الفترة من التاريخ الفرعونى الاضمحلال الثقافى والسياسى والأخلاقى والدينى تماماً كالواقع الذى نعيشه الآن.
■ تابعتى مشهد انفجار مديرية أمن القاهرة والأضرار التى طالت المتحف الإسلامى المقابل له.. ما تقديرك لحجم التلفيات وما تقييمك لدور اليونسكو فى التعامل مع الأزمة؟
-كارثة، فهناك مخطوطات نادرة دمرت تماماً بحسب تصريح وزارة الآثار وهناك ما تلف ولكنه يخضع للترميم والتعامل من قبل اليونسكو فى رأيى لا يكفى وكان بحاجة لمزيد من الجهد، نحتاج إلى جولات فى الدول الأوروبية تعتمد على المتاحف المفتوحة لعرض ما تبقى من آثار فى المتحف الإسلامى ريثما يتم ترميم ما دمرته التفجيرات بدلاً من بقاء المخطوطات والقطع السليمة فى المخازن ويوجه دخل المعارض المتجولة لعمليات الترميم، وهى فكرة معمول بها فى متاحف العالم، ففى فترات التطوير والتحديث تعرض القطع فى معارض متنقلة برسوم رمزية.