يوما بعد يوم، تتفاعل أزمة انهيار الاقتصاد اليونانى لتعكس أزمة حقيقية داخل الاتحاد الأوروبى بل والنظام الرأسمالى العالمى بأسره.
فقد شهدت الدول الأوروبية انتقادات داخلية حادة لخطة الإنقاذ التى صوت عليها الاتحاد الأوروبى وتتضمن تقديم مساعدات لليونان من خلال قروض بمبلغ 110 مليارات يورو خلال السنوات الثلاث المقبلة يدفع الاتحاد الأوروبى 80 مليارا منها إلى جانب 30 مليار يورو يقدمها صندوق النقد الدولى.
إلا أن اعتراضات عديدة تعالت فى القارة الأوروبية عكست رفض دافع الضرائب الأوروبى تحمل أخطاء الآخرين، وخشية المراقبين من عدم كفاية المبلغ لإنقاذ اليونان، ومن امتداد الأزمة لدول تعانى من مشاكل مشابهة مثل إسبانيا والبرتغال وربما أيرلندا.
ظهر ذلك بوضوح فى ألمانيا التى تتحمل الجزء الأكبر من المساعدات (22.4 مليار يورو)، التى ذهب فيها الحزب اليسارى إلى اعتبارها أزمات مفتعلة للعولمة لامتصاص أموال الشعوب.. من أزمة البنوك العقارية، إلى أزمة اليونان، مؤكدين أن المشكلة تكمن فى بنية النظام العالمى بأسره.
لكن اللافت للنظر أن هذا نفسه هو ما ذهب إليه الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، الذى أكد صراحة أن الأزمة مرتبطة ببنية النظام الرأسمالى نفسه، وليس بأعراض جانبية، وأنه لا حل سوى بتغيير هذه البنية.
وتعليقا على هذه الاعتراضات، أكدت وزارة المالية أن الخطة ليست فقط لحماية اليونان من الإفلاس، بل لحماية استقرار العملة الأوروبية ومفهوم الاتحاد الأوروبى بأسره، مضيفا أن ألمانيا، التى تقود الاتحاد الأوروبى استفادت كثيرا من المكاسب وعليها أن تتحمل الخسائر.
وقال إن الصفقة تمت فقط بعد تمكن الاتحاد الأوروبى من الحصول على ضمانات يونانية بتطبيق خطة تقشف صارمة، فى ظل رقابة أوروبية ودولية كل ثلاثة أشهر، وعلى أن تكون المساعدات فى صورة قروض ترد خلال عشر سنوات.
وفى لقاء خاص مع «المصرى اليوم»، أكد المتحدث باسم وزارة المالية الألمانية «ميشائيل أوفر»، أن الهدف هو مساعدة اليونان لمساعدة نفسها فى طريق الإصلاح، لتحظى مرة أخرى بثقة الأسواق الدولية، كى تستطيع خلال عامين أو ثلاثة إعادة تمويل اقتصادها ضمن الاقتصاد العالمى، مؤكدا أن الاتحاد الأوربى سيزيد من حدة الشروط والقواعد المالية والرقابة الصارمة لدول اليورو وسيتم إنشاء صندوق للنقد الأوروبى بدلا من الاعتماد على صندوق النقد الدولى.
كما سيتم فرض عقوبات على الدول المخالفة للمعايير الأوروبية، تنتهى بإخراجها من منطقة اليورو فى حالة فشلها فى الإصلاح الداخلى. بالمقابل فإن اليونانيين نظروا للأمر على أنه وضع بلدهم تحت الحراسة وفرض الوصاية الأوروبية والدولية عليها،
خاصة أن ذلك تزامن مع تصديق الحكومة اليونانية على خطة التقشف الصارمة التى وضعها الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى وتقضى بتوفير 30 مليار يورو من خلال تخفيضات كبيرة فى الرواتب والمعاشات ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 23%، دون أن يتواكب ذلك مع محاسبة أى من المسؤولين عن الأزمة،
بينما اكتفى رئيس الوزراء اليونانى الاشتراكى «جورج باباندريو» بتوجيه الاتهامات للحكومات اليمينية السابقة، مما تسبب فى إضرابات ومظاهرات حاشدة فى شوارع أثينا يوم الأربعاء الماضى وصلت إلى حد محاولة إحراق البرلمان.
ونتج عن تلك الاضطرابات مقتل 4 متظاهرين وإصابة العشرات، ليخرج الرئيس اليونانى «كارلوس بابولياس» محذرا من سقوط اليونان إلى هاوية الإفلاس والفراغ السياسى.
ولعل الخلاف الألمانى- الفرنسى فى التعامل مع الأمر هو الذى يلخص الأزمة، فالمستشارة أنجيلا ميركل ترى أن الأمر متعلق باستمرار بقاء الاتحاد الأوروبى ودور ألمانيا القيادى بداخله، ولذلك سيتم إنقاذ استقرار اليورو بأى ثمن، بينما يرى الرئيس ساركوزى أنه لا بديل عن حل جذرى لأسباب وجذور بنية النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى، وإلا فإن الاتحاد الأوروبى سينتقل من أزمة إلى أخرى.