أجرت «دويتشه فيله» حوارا حصريا مع الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش، الذي كشف فضيحة التعذيب في سجن أبوغريب، والتي هزت العالم ولا يزال صداها حتى الآن، ويقول الصحفي الذي أجرى معه الحوار إن صوته يرتجف قليلاً من حين لآخر، وأحياناً يضحك ليخفي ذلك، «ما يزال سيمور هيرش متأثراً بعمق بالانتهاكات في سجن أبوغريب بالعراق، وإنه لا يحب التحدث حول سجن أبوغريب»، وتمثلت الفضيحة التي كشفت في 2004 في صور صادمة لسجناء عراقيين عراة تم إذلالهم جنسياً وتعذيبهم واقتيادهم خلف بعضهم كالكلاب، وإلى جانبهم جنود أمريكيون يلتقطون الصور مستمتعين.
يقول «هيرش»: «شيئاً لم يتغير رغم مرور عشر سنوات، فالولايات المتحدة لم تتعلم أى شىء من ذلك، والمأساة يمكن أن تتكرر طالما أن الحروب مستمرة».
كان «هيرش» أول من وصف بالتفصيل ما الذي حدث في سجن أبوغريب بالعراق، واقتبس «هيرش» من «تقرير تاجوبا»، وهو خلاصة تحقيق داخلي سري في الجيش الأمريكي حول الانتهاكات ضد العديد من السجناء. سمى التقرير بذلك نسبة للواء أنطونيو تاجوبا، الذي قاد عملية التحقيق.
وحول سؤال «دويتش فيله» له عن هل فوجئ بفضيحة التعذيب في «أبوغريب» قال «هيرش»: «لا، لأن ذلك لم يكن في الواقع شيئاً جديداً. فمنظمات دولية لحقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة (هيومان رايتس ووتش»، أشارت قبل ذلك بأشهر إلى الظروف الكارثية في السجون الموجودة بالعراق. وقد تم تجاهل تلك التقارير إلى حد كبير من قبل وسائل الإعلام. لماذا؟ لأن وسائل الإعلام تحتاج إلى أدلة إثبات، إلى صور ووثائق، وهذه لم تكن متوفرة».
وعن كيفية الوصول إلى الأدلة، قال «هيرش» إنه تمكنت من الحصول على نسخة من تقرير «تاجوبا»، اللواء تاجوبا رجل رائع وشريف، انتهت بعدها مسيرته المهنية. وقتها تمكن من كشف الحقيقة حول أبوغريب.
وسئل «هيرش» عن سبب الجريمة البشعة التي ارتكبت في سجن «أبوغريب»، وعن دور الجيش الأمريكي عنها، وعن أنه قد كان يمكن تفاديها بتحسينات في أداء السجانين الأمريكيين ، أجاب: «المسألة ليست مسألة تحسينات. نحن جميعاً نعلم أن الحروب تشهد حدوث أشياء فظيعة. والحديث عن ذلك لا يغير من الواقع شيئاً. وراءنا آلاف من السنين المليئة بالحروب الوحشية. السبيل الوحيد لوقف الانتهاكات وجرائم الحرب هو أن تتوقف الحروب ذاتها. ولكن لا يبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه».
سأله الصحفي :إذن أنت ترى أن الولايات المتحدة لم تتعلم شيئاً من أبوغريب؟، فأجاب: «لا، أنا لا أقول ذلك. أقول فقط إن مفهوم الحرب برمته يؤدي إلى مثل هذه الانتهاكات. لقد كنت أيضاً في الجيش، وهناك لا يحارب المقاتل من أجل وطنه، وإنما من أجل رفيقه في الجيش، الذي إذا أصيب أو قتل، عندها يريد المقاتل الانتقام له. إنها لعبة الحب والحرب. وحينها تمسي جميع القواعد والقوانين غير مهمة وينتقم المقاتل من أى شخص يستطيع الإمساك به. إنها طبيعة الحرب».
فبادره الصحفي قائلا: إذن فمأساة «أبوغريب» يمكن أن تتكرر اليوم مرة أخرى، فرد «هيرش»: «طبعاً هذا ممكن. أحداث كالتي وقعت في أبوغريب يمكن أن تحدث في كل الحروب. ليس بالضرورة العرى والإذلال الجنسي، فهي أمور تبدو غير عادية. ولكن التجاوزات تحدث في كل وقت، وهناك الكثير من جرائم الحرب. الجنود يتدربون على ذلك في الحرب، يتعلمون عدم النظر إلى الخصم على أنه إنسان».
وسيمور هيرش هو أحد أشهر الصحفيين الاستقصائيين الأمريكيين. اشتهر كثيرا في عام 1969، بعد كشفه مذبحة في بلدة ماى لاى، التي قام بها الجيش الأمريكي أثناء حرب فيتنام، وقبل 10 سنوات، صدم العالم بتقرير نشره حول فضيحة التعذيب في سجن أبوغريب في العراق. صور السجناء العراة وهم يعاملون بإهانة وتقودهم جندية أمريكية بحبل نشرت في جميع أنحاء العالم. ألف سيمور هيرش العديد من الكتب. الصحفي الفائز بجائزة بولتزر مازال حتى اليوم، رغم بلوغه سن الـ77 عاما، يواصل بلا كلل البحث عن القضايا الشائكة وكشف الفضائح.