«النوبة» دائما ما يصفها المجتمع المصري بأنها تدور بين عدة محاور «الطيبة.. الأخلاق.. القيم.. الرقي» كل هذه صفات رسمت ملامح النوبي وحافظت عليها خلال سنوات طوال، وعلى الرغم من أن النوبة كلمة تصف مجتمعًا بذاته وهم النوبيون، لكنها يمكن أن يتصف بها كل من لديه صفاتهم وتعايش معهم وفي نفس الوقت تتخلى عمن يتركها وينسلخ منها.. فالنوبة أصبحت صفة للحضارة والقيم والأخلاق.
ولمن يعرف صفات أبناء النوبة يندهش من ردة فعل الدكتور أحمد عواض، ابن النوبة ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية، وذلك بعدما تقدم باستقالته بسبب قرار المهندس إبراهيم محلب بوقف عرض فيلم «حلاوة روح» وهو أول رئيس وزراء يقرر وقف فيلم ليس بسبب سياسي ولكن بسبب أخلاقي والحفاظ على القيم المجتمعية، والذي عندما اتهم عواض القرار بأنه يحد من الإبداع وأنه تقليص لدور «الرقابة» قال «محلب»: «إني أٌصر على رأيي وأقسمت أن أرعى مصلحة المواطنين» وأن هذا الفيلم لا يؤدي إلى خير للمجتمع.
وهنا يجب علينا هنا أن نقف قليلا ونتساءل: كيف لابن النوبة أن يغضب ويتذمر عندما يأتي مسؤول ليحمي أطفال المجتمع من فيلم يهدم كل معاني القيم، وعلى الرغم أن الفيلم يذكر أن الفيلم «للكبار فقط» ولكن يقوم ببطولته طفل فكيف ذلك التناقض.
ولكننا علينا أن نرى أيضا نبذة عن أعمال الدكتور أحمد عواض حتى يتسنى ألا نحكم عليه من دون أن نرى نبذة عن أفلامه وهي كالتالي.. «الرغبة» وهنا قام كمساعد مخرج بهذا الفيلم عام 2002، وكلم ماما، أريد خلعا، كذلك في الزمالك، بون سواريه، ونقف عند ذلك الفيلم الذي أثار كثيرا من الانتقادات لنفس أسباب الفيلم الحالي «حلاوة روح» لما يخالف مجتمعنا والذي أنتجه هو أيضا محمد السبكي منتج «حلاوة روح».
وهنا أنا أطالب ابن النوبة بأن يقف لحظة بين نوبيته وبين ضميره ومصريته فكل هؤلاء الثلاثة لا تبيح مثل تلك الأفلام حتى لو كان هناك تجاوز في الصلاحيات، ولكن هنا الأمر يحتاج إلى ضمير، ويجب علينا أن نترك كلمات «الحد من الحريات والإبداع» وننظر إلى ما هو أبعد من ذلك إلى مستقبل وطن يُرسم بأيدينا أو بـ«جرة قلم» مسؤول يوافق من خلالها أو يمنع، بل نحتاج إلى وقفة ضمير والنظر إلى المستقبل وما النتائج المترتبة عليه.
وأسأل هنا الدكتور عواض ماذا إن ذهب الفيلم بل ذهبت هيفاء ومنتج فيلمها.. هل ستقف الدنيا؟ الإجابة لا، ولكن ستقف الدنيا بل سيُهدم مستقبل مصر بأكملها إذا شاهدته أجيالنا من شباب وفتيات وأطفال، وحتى إذا تم التراجع عن القرار فهذا سيؤدي إلى ذهاب الجميع إلى دور السينما ليروا الفيلم بعد تلك الإثارة التي ترتبت على القرار، وستتحمل أنت وحدك مسؤوليته ليس أمام الدولة ولكن أمام الله وأمام من سيرتسم مستقبلهم بقرارك.
ولمن يغضب تحت مسمى الحد من الإبداع والتجاوز في الصلاحيات وأنه لا يصح لمسؤول أن يمنع أو يحجُب أي محتوى لفيلم أو ما شابه ذلك، أقول إن القرار يمنع بث انعدام الأخلاق في المجتمع المصري وإن مثل هذه الأفلام طالت العديد من الأجيال، وآلت إلى ما نحن فيه الآن من انحدار القيم وإفراز أطفال جديدة تبيح التحرش والاغتصاب والخروج من بوتقة البراءة والأخلاق وكلمات كثيرة لم تكن موجودة سابقًا، ويصور للعالم أن المرأة في مصر ليست سوى جسد تتاجر به، وأن القضايا التي تناقشها الأفلام المصرية ليست سوى الدعارة والتحرش، فيا دكتور عواض مصر كبيرة فيجب علينا أن نحترمها ونعرض مشاكلها مقابل حجمها الحقيقي وأقول لك ما قاله الفنان محمد صبحي «إننا لا نحتاج إلى قرار من رئيس وزراء لمنع مثل هذه الأفلام ولكننا نحتاج إلى ضمير»، وأريد فقط أن تجيب عن سؤال مهم، وهو أن الفيلم أخذ فترة في دور العرض فأين كانت الرقابة من عرض الفيلم ولِمَا لم توقفه بنفسها قبل قرار رئيس الوزراء، هل كانت تنتظر أن ترى آراء المجتمع من حولها.. هل كانت تنتظر أن ترى بأعينها أن المجتمع بالفعل تغير إلى الأسوأ ويمكن له أن يتقبل مثل هذه الأفلام بمبدأ «جس النبض».. وإذا كان قرار «محلب» خاطئا لأنه قرار فردي فيه تجاوز على الرغم أنه هناك كثيرون وافقوا على قرار «محلب» ومنهم الأزهر، الأوقاف، مجلس المرأة، ومجلس الطفولة، وأغلب الشعب وعدد كبير من الفنانين من الوسط الفني وممن يرفضون الحد من الحريات، هل ظننت أنك عندما تستقيل سيتكاتف الكل معك ضد الحق والقيم والأخلاق وستثور الدنيا.. هيهات.. فجميع المسؤولين والفنانين والمثقفين يقفون وقفة واحدة لمن يمس مبادئهم وأخلاقيتهم ومستقبل أجيالهم القادمة.
والتساؤل هنا يجب أن يكون: كانت هناك قرارات أيضا سابقة بغلق قنوات وبرامج سابقة وذلك بهدف الحفاظ على المجتمع ووافق عليها الشعب المصري بأكمله للحفاظ على مصر، فأين حرية الإبداع وقتها بل أين أنت منها، وقد تم وقف «حلاوة روح» أيضا لهذا السبب بل لأخطر من ذلك لحماية أجيال مصر القادمين فلن يعيش محلب لهم دوماً، ولن تعيش أنت لهم دوماً، ولكن هذه الأجيال هي مستقبل مصر في يوم من الأيام فهل نعدُهم لذلك أم نُغذيهم بتلك القيم والأخلاقيات والأفلام المسفة والتحرش والاغتصاب ليصبحوا شبابا من نوع جديد في مستقبل لا يعلمه إلا الله.
ولكن كل يوم يأتي يصر المجتمع المصري الذي لم ولن تتغير أخلاقياته بالرغم من الفجوة والتحولات الكبيرة التي يمر بها في كل مرحلة والذي يأتي كل مسؤول ليغير مصريته ويضعه في بوتقة جديدة غريبة عليه ويريد أن يشكله بصورة غير صورته الحقيقية، ولكن المصريين دائما وأبدا يتمسكون بما تربوا عليه ويقفون وقت الأزمة شامخين يثورون على كل من يريد أن يلعب ويخرب في مستقبلهم وعقول أبنائهم ويجرهم إلى طريق مظلم لا نهاية له.
وأقول لكل مسؤول يشغل منصبا أو أي أب وأم بل كل مصري يجري في عروقه مصريته، كفانا الرفض لكل قرار يأتي من مسؤول حتى لو كان القرار صحيحا، يجب علينا أن نحاول أن نأخذ بيد المسؤولين حتى يرجعوا إلينا مصريتنا الحقيقية التي تاهت وسط التغيرات الكثيرة التي مررنا بها، فنحن لا نريد رقابة بل نريد ضمائرنا أن تكون رقيبا على قراراتنا وإذا لم يفعل المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، شيئا سوى منعه تلك الأفلام فسيكون قدم خدمة جليلة للوطن لن ينساها له المصريون وسيتذكرون دائما أن هذا الرجل أنقذ مستقبل مصر من نوعية هذه الأفلام.
وبما أن النوبة صفة لكل ما هو أخلاقي فعلى مسؤوليتي الشخصية أصف قرار محلب بل أصفه شخصيا في هذا القرار بأنه نوبي يتصف بكل أخلاقيات النوبة التي ترفض الابتذال والإسفاف والخروج من مجتمعنا المصري الذي كان ومازال يحافظ على مصريته رغم كل التغيرات الثقافية والأخلاقية من حوله وأقول له سر في طريق التطهير المجتمعي الذي أصبح متفشيا في مِصر، فالفساد الأخلاقي مثل الإرهاب كلاهما أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن، سر يا «محلب» وستجد نوبة مصر تساند كل من يمنع أو يستخف بعقول المصريين.