x

خالد السرجاني عبد الناصر ومحلب وحلاوة روح خالد السرجاني الخميس 24-04-2014 21:23


فى كتاب أصدرته جمعية نقاد السينما المصريين عام 2001 وحرره الناقد حسين بيومى تحت عنوان «الرقابة على السينما.. القيود والحدود» نقرأ شهادة للمخرج السينمائى العظيم الراحل توفيق صالح بعنوان «تجربتى مع الرقابة فى مصر» وفى هذه الشهادة يحكى ما عانت منه أفلامه مع الرقابة ومنها فيلمه التحفة «يوميات نائب فى الأرياف» الذى بعد أن حصل على تصريح العرض فوجئ بأن وزير الداخلية شعراوى جمعة يرفض عرضه إلا بعد أن يخرج صالح فيلما عن الشرطة وهو ما رفضه صالح بالطبع، ثم قرأ جمعة الكتاب الذى نقل عنه الفيلم فوجد أن الرشوة التى تقدم فى الكتاب إلى القاضى الشرعى تقدم فى الفيلم إلى مأمور القسم فدعا أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى وهو أعلى سلطة فى البلاد إلى مشاهدة الفيلم لاتخاذ ما يرونه تجاهه باعتباره يسىء إلى جهاز الشرطة، وعرض فعلا الفيلم لهم فى سينما رمسيس، وعلم الرئيس جمال عبدالناصر بهذا العرض الخاص من أعضاء اللجنة المركزية المقربين منه فطلب مشاهدة الفيلم، وفى اليوم التالى لمشاهدته استدعى عبدالحميد جودة السحار رئيس مؤسسة السينما، وقال له إننى أصدرت أوامرى بعرض الفيلم كاملا دون حذف كادر واحد، وإذا استطاعت المؤسسة إنتاج أربعة أفلام فى السنة بهذا المستوى فإنه سوف يضاعف ميزانيتها.

بالطبع ليس هناك وجه للمقارنة بين «يوميات نائب فى الأرياف» وفيلم «حلاوة روح» الذى يثير ضجة حاليا على الصعيد الفنى والجمالى والقيمى، ولكن هناك مغزى يمكن أن نخرج به من هذه الواقعة يتمثل فى أن شعراوى جمعة، وزير الداخلية، وهو من هو فى النظام آنذاك لم يصدر قرارا بعدم عرض الفيلم كما فعل رئيس وزرائنا إبراهيم محلب، وإنما طالب بأن يتخذ القرار أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وهى أعلى سلطة فى البلاد فى ذلك الوقت، وهو عرض عليهم الفيلم بعد أن شاهده وقرأ الكتاب المنقول عنه إلى السينما، أما رئيس وزرائنا فلم يشاهد الفيلم وإنما استند إلى مرويات عنه هى فى مجملها غير دقيقة.

أما عبدالناصر فعندما سمع أن هناك نية ما لمنع فيلم من العرض وجد بحكم مسؤوليته السياسية أن عليه أن يشاهده ويحكم عليه بنفسه وكان قراره بعدم حذف أى كادر، وهو أوصى بإنتاج أفلام فى نفس مستواه، ولو كانت وصيته قد نفذت لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من جدل حول فيلم «حلاوة روح» ذلك أن الأفلام الجيدة تفرض نفسها والسبكى لم يحقق ما حققه من أفلام يراها البعض مسفة إلا بسبب خلو الساحة له وعدم وجود إنتاج جاد يواجهه.

ويكفى هنا أن أشير إلى فيلمين حققا إيرادات جيدة أفضل مما تحققه أفلام السبكى وهما «فتاة المصنع» للفنان العظيم محمد خان و«لا مؤاخذة» للمخرج المبدع عمرو سلامة، وكلاهما يجذب جمهورا أكثر من الأفلام المنافسة التى ينتجها السبكى، وفى هذا دليل على أن جمهور السينما يريد أفلاما جيدة وجادة تسعى إلى مخاطبة عقله وتناقش بجرأة وجمالية مشكلات المجتمع المصرى المعاصرة. وكان الأولى بالمهندس محلب أن يدعم مثل هذه الأفلام كما تفعل معظم دول العالم، وهنا لن يجد «حلاوة روح» وأمثاله جمهورا يذهب ليشاهده، وبالتالى لن تكون هناك مشكلة تتعلق بحرية الإبداع، ولن يكون مجبرا على مخالفة الدستور كما فعل عندما أصدر قرارا فوقيا بمنع عرض الفيلم من دون أن يشاهده، الأمر الذى أوقعه فى مأزق لأنه اتخذ قرارا لم يستطع الدفاع عنه فاضطر إلى الاستعانة بعدد من الفنانين «السابقين» الذين يقتصر دورهم حاليا على حضور الاجتماعات التى تدعو لها السلطة أى سلطة لكى يبرروا له قراره ولكى يجعلوا من أنفسهم غطاء له. قد يرى البعض أن ما يفعله محلب حاليا يهدف إلى إعادة هيبة الدولة، ولكن مقارنة سلوكه بما فعله جمال عبدالناصر عندما كانت هناك دولة بالمعنى الحقيقى يؤكد أن هناك فارقا كبيرا بين دولة تريد أن تصدر قرارا مدروسا، وأخرى تريد أن تدغدغ عواطف الناس لتكتسب شعبية زائفة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية