يتساءل الكثيرون خلال السنوات القليلة الماضية عن أسباب الانفلات الأمنى، ويطلبون مواجهته بشكل حاسم، بينما يغفل الكثيرون أيضا الانفلات الأخلاقى رغم أنه الأخطر بعد أن أصبح ينهش فى الجسد المصرى، وبالرغم من تنامى هذه الظاهرة بشكل مقلق، فإن المواجهة لم تبدأ بعد، والأغرب هو تجاهل الدولة لهذا المرض الخطير.
التعامل الغريب مع منع فيلم «نوح» - رغم أهميته كملحمة تاريخية - وتمرير أفلام من نوعية «حلاوة روح»، «عبده موتة»، «أحاسيس»، يكشف عن تردى الذوق العام، وانتشار سلوكيات خاطئة وسط فئات الشباب والمراهقين، وغرس مناخ متردٍ أخلاقياً وسلوكياً وثقافياً ومجتمعياً، وهو ما يترتب عليه اختلال البيئة المكونة لطبيعة الشخصية المصرية، لينحدر الذوق العام إلى أدنى مستوى له فى تاريخ مصر الحديث، وتتحول قوة مصر الناعمة فى الفن والثقافة، التى غزت دول الخليج والمغرب العربى وألهمت شعوبها الكثير، إلى ظاهرة مجتمعية سيئة، وصفها البعض بـ«السعار الجنسى»، لتحل محل الأعمال المصرية أعمال تركية!
منذ سنوات، بدأت ظاهرة التحرش الجنسى من خلال تحرش الشباب والمراهقين بالفتيات والسيدات بشوارع وسط القاهرة، وخاصة فى موسم الأعياد، وتحولت المناطق التى تتواجد بها السينمات إلى مناطق ثرية لنشر الظاهرة.
منظمات المجتمع المدنى، وخاصة المنظمات النسائية والحقوقية من جانبها، حاولت مواجهة هذه الظاهرة، من خلال مبادرات مجتمعية كى تلفت نظر الحكومة إلى خطورة الوضع الراهن على مجتمعنا، إلا أن كل هذه المحاولات لم ولن تؤدى الغرض، لأن الوعى المجتمعى بخطورة هذه الظاهرة لم ينضج بعد، والإرادة الحكومية لاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها لم تظهر بعد.
جوهر المشكلة ينجم فى البيئة العامة المحيطة بالشباب والمراهقين، فالأفلام سيئة السمعة منتشرة فى دور العرض بما تحتويه من مشاهد ساخنة وألفاظ بذيئة، والمسلسلات سواء فى شهر رمضان أو فى بقية العام أصبحت ثرية بالألفاظ الخادشة للحياء، ومع ذلك تقوم الرقابة بتمريرها بزعم حرية التعبير، والأغانى أصبحت لا تتناسب مع إرث الماضى الجميل، ليتلوث الذوق العام بصريا وسمعيا.
الانفلات الأخلاقى انتقل من الشارع إلى مواقع التواصل الاجتماعى، وتحولت البوستات التى يضعها الشباب إلى تعليقات سخيفة لا تبنى أوطانا، وتداولت «هاشتاج» بذيئة تنتقص كثيرا ممن يقومون بتداولها أكثر مما يرغبون من نشرها، بشكل مؤسف ومخجل ويثير علامات استفهام عديدة حول نشأة وسلوكيات شبابنا اليوم.
الآن نحن فى مرحلة فارقة، فإما أن نحتوى شباب اليوم ونقدم له جرعات مكثفة تعيد له التوازن الفكرى والأخلاقى، وإما نساهم بصمتنا أو بتجاهلنا لما يحدث فى طمس الهوية المصرية الأصيلة وغرس أفكار مشوشة وسلوكيات خاطئة، تترتب عليها بيئة خصبة للتحرش والتشوش الفكرى، وتردى المنتج الثقافى للمجتمع وانتشار العنف.. إما أن نتدخل بشكل عاجل لإنقاذ ما تبقى وإما أن نكرس واقعاً غريباً يقوم على إهانة المرأة والفن والآداب العامة للمجتمع.
الانفلات الأمنى يمكن علاجه عبر خطوات حقيقية وجادة وإرادة حكومية، وسيحل، إنما الانفلات الأخلاقى يعد هو الأخطر لما يترتب عليه من واقع غريب ومجتمع معتل، ومن ثم لم يعد أمامنا أى اختيار، فإما أن ننتصر للذوق العام والفن الراقى الأصيل واحترام الآداب والسلوكيات العامة، وإما إهدار القيم والأخلاق ونشر الفوضى وهتك عرض المجتمع!