لا يشبه بوتفليقة إلا مبارك. الرجلان ليسا بلا تاريخ، لكنهما تآكلا، وكلاهما لم يهنأ بالستر فى شيخوخته.
سيكون بوتفليقة محظوظًا إذا نام ذات ليلة، ولم يستيقظ فى الصباح، لأن موتًا كهذا سيعفيه من لقطة مبارك فى قفص الاتهام، مثلما أعفت ثورة 25 يناير مبارك من لقطة بوتفليقة المحتضر الذى يصوت لاختيار نفسه رئيسًا من فوق كرسى متحرك.
لم يكن مبارك يريد الولاية الخامسة، لكن إدراكه استحالة إتمام التوريث، وعجزه عن إقناع أسرته بالاحتشام- جعلاه يقدم نفسه قربانًا، متصورًا أن استمراره يؤجل الانفجار. وبالمنطق نفسه، ربما يكون بوتفليقة غير راغب فى التجديد، لكن توازنات السلطة تريده أن يستمر.
الديكتاتور إنسان مثير للأسى. كل الجرائم تُقيد ضده، بينما لا يحتاج التخلص من حياة رئيس محتضر لأكثر من لحظة يسهو فيها الشخص المكلف بدفع الكرسى، ولا يحتاج التخلص من حياة الرئيس القوى أكثر من رصاصة، كالتى تلقاها بوضياف. الرئيس مجرد قطعة شطرنج مميزة قليلاً على رقعة اللعب، ومميزاته الفردية لا تتحكم وحدها فى مصيره ومصير البلاد.
إذا اعتمدنا على الصور، فالربيع هو أفضل الفصول رغم كل التشنيع على الربيع العربى. المرشحان الأبرز عندنا يتنفسان رائحة الشباب. صورة المشير السيسى فوق الدراجة أثارت الإعجاب، فالدراجة يقودها الراكب بنفسه، وهى تحتاج إلى القوة والقدرة على التوازن، وتحتاج كذلك إلى طريق تسير فيه!
البرنامج هو الطريق، ودراجة المرشح الأوفر حظًا يجب ألا تنسينا غياب الطريق، وأن الإدارة المصرية لم تزل قعيدة على كرسيها، وتتعامل بمبدأ التسكين، البحث عن بنكنوت لتمويل الضرورات، مواجهة مطالب الأجر العادل بحلول فئوية ضيقة، من خلال الكادرات الخاصة، هياكل إدارية المترهلة، حيث الولاء قبل الكفاءة وتجنب الحرائق أهم من تحقيق النجاح.
الإدارة القعيدة لن تمكن حمدين صباحى من الحكم إذا ما فاز، ولن تفرش طريق السيسى بالحرير إلا إذا رضى بقيادة دراجته وسط فوضى الكارو والأتوبيس والميكروباص والمرسيدس.
أصحاب المصلحة فى استمرار الأوضاع لم يفهموا خلال أربع سنوات ضرورة التغيير، فمن أسوأ عيوب القوة أنها لا تفهم. ومن حسن الحظ أن الفهم هو أبرز مميزات القوى الثورية، لكنها- ويا للأسف- تفتقد الإصرار، ولذلك فكل ما فعلته فى مناسبات الحشد الكبرى، بين 25 يناير و30 يونيو هو هز الكرسى المتحرك لا شقلبته.
الآن عليها أن تقلع عن المزايدات، وأن تضع مسارًا بديلاً تفصيليًا يستهدف تحديث البنية، ويعترف بوجود طبقات وفئات اجتماعية ذات مصالح متضاربة ينبغى التوفيق بينها، لا الحديث عن كل هلامىٍّ، اسمه (الشعب)، يدعى كل تيار سياسى أنه ممثله الوحيد.
وجود برنامج للقوى الجديدة يعفى البلاد من لعبة شد الحبل مع القديم التى تبدأ حشدًا فى الميادين ثم تفرقًا إلى البيوت. وإن أراد الرئيس القادم التغيير تكون القوى الثورية قوته، وإن قنع بالشبر المخصص له على الكرسى تكون هناك قوى سلمية عاقلة جاهزة للمسؤولية.
مغادرة مقعد الرجل المريض كان حلمًا مصريًا منذ كامب ديفيد، ثم صار خاطرًا فى 25 يناير، والآن أصبح ضرورة، لأن الوضع الإقليمى يزداد تعقيدًا. ومشهد بوتفليقة على كرسيه المتحرك ليس مجرد صورة للتأمل، فالتهديد الذى تمثله الفوضى الليبية هو مجرد مزاح إذا ما انفجرت الجزائر، التى قد تأكل فوضاها تونس، وتلتحم بالفوضى الليبية على حدودنا.