لم تنجح صحيفة ولا وكالة ولا فضائية فى إعداد تغطية شاملة وعميقة حول القمر الصناعى المصرى، الذى تم إطلاقه الأربعاء الماضى لأكثر من سبب ربما أهمها هو غياب الحقائق حول الجهة التى تدير المشروع، وهذه العشوائية فى الحديث عن اسم القمر، وهل شارك فى بنائه وتجهيزه مصريون أم لا.. وكذلك ظهور شخص مجهول يمثل كيانا مجهولا اسمه حسين الشافعى، وهو الوحيد على ما يبدو الذى لديه كل المعلومات حول المشروع.
ومن يقارن بين الاهتمام الرسمى بإطلاق إيجيبت سات 1 فى إبريل 2007، وكذلك التغطية الإعلامية الواسعة لفقدان هذا القمر فى أكتوبر 2010، بما يحدث مع إطلاق هذا القمر، سيدرك على الفور أن هناك شيئاً غامضاً أو أن جهة سيادية ما وهى المالكة للقمر ارتكبت وترتكب حتى الآن مجموعة من الأخطاء.
فإذا كانت هذه الجهة لا تريد أن تصور أن لهذا القمر مهام عسكرية أو مرتبطة بضبط الحدود فإنها تكون مخطئة فى ذلك تماماً، فكثير من الدول التى دخلت عصر الفضاء وأقربها إلينا إسرائيل تستخدم عملية الإطلاق ومواصفات القمر، وأحياناً الحديث عن مداره ودقة صوره، كإحدى وسائل الردع للأعداء والمنافسين.
والعجيب فى الأمر أن جميع المهتمين بالفضاء وبتكنولوجيا الأقمار الصناعية يعرفون كل شىء عن القمر المصرى الجديد الذى تم حرماننا من المعلومات الوافية عنه!
فقد أعلنت روسيا، قبل ثلاثة أشهر تقريباً، أنها ستطلق قمراً صناعياً مصرياً، وأن مهامه ستكون عسكرية فى غالبها.. وأن الكاميرا الخاصة به قادرة على تصوير الأجسام حتى دقة متر واحد.. عملية تمويل القمر غامضة أيضاً، فبعض التقارير تتحدث عن تمويل خليجى، والبعض يتحدث عن أنه أولى ثمار التقارب المصرى الروسى، الذى أعقب زيارة المشير عبدالفتاح السيسى لموسكو، لكن يبدو أن هذه المعلومات ناقصة أو غير دقيقة مع حساب الفترة المطلوبة لتصنيع القمر، والأهم منه صاروخ الإطلاق، والتى تحتاج مدة أطول بكثير من شهرين، «السيسى زار موسكو فى شهر فبراير الماضى».
المتحدث العسكرى العقيد أحمد محمد على - ورغم نشاطه وغزارة بياناته فى الأسابيع الماضية - لم يتحدث أو يكتب شيئاً عن هذه الخطوة الاستراتيجية.. حاولنا التواصل مع كثيرين فى القوات المسلحة للحصول على معلومات عن القمر، فلم نحصل على أى شىء.. والأهم من ذلك، أن تعليمات صدرت للمسؤولين فى هيئة الاستشعار من بعد، وهى الجهة الحكومية المسؤولة حتى الآن عن برنامج الفضاء المصرى، بعدم الحديث فى الأمر لوسائل الإعلام.. حدث هذا بعد صدور بيان بسيط حول مشاركة علماء من الهيئة فى تجهيز القمر وإطلاقه من القاعدة الروسية فى كازاخستان.. والواقع أن المعلومات المتاحة لى فى هذا الأمر مختلفة تماماً، وسأسردها بالترتيب.
مع إعلان حسين الشافعى فى أكثر من فضائية عن إطلاق القمر، كان اسمه إيجى سات، ثم تحول إلى إيجيبت سات، ويوم الإطلاق أصبح اسمه إيجيبت سات 2، لجأ أكثر من إعلامى لوزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمى، باعتباره الوزير المسؤول عن برنامج الفضاء المصرى - وكانت «المصرى اليوم» أول من اتصل بالوزير - فكان رده المقتضب أنه لا يعلم شيئاً عن هذا القمر، ولا يعرف الجهة التى تمتلكه.. بعد ذلك بدأ الاهتمام الإعلامى يتواتر مع اقتراب عملية الإطلاق، ومع اعتماد جميع الإعلاميين على تصريحات حسين الشافعى، الذى يقدم نفسه باعتباره مستشار وكالة الفضاء الروسية بالقاهرة، صدرت تعليمات أو نصائح لرئيس هيئة الاستشعار من بعد بإعداد بيان حول مشاركة الهيئة بعلمائها فى إطلاق وإدارة القمر.. وللعلم فإن هذه الخطوة أغضبت نسبة عالية من العلماء فى الهيئة، خاصة العاملين فى برنامج الفضاء المصرى لمعرفة هؤلاء على وجه اليقين أنهم غائبون عن أمر القمر تماماً.. وأن الكفاءات العلمية المصرية التى كانت قادرة على المشاركة الحقيقية فى التصنيع أو الإشراف على القمر قد تركت البرنامج تماماً.. بل إن معظمها قد غادر البلاد للعمل فى أوروبا والخليج. فوفقاً لمعلومات من قيادات فى برنامج الفضاء فإن من بين 64 مهندساً تدربوا بشكل مباشر أو غير مباشر فى أوكرانيا، قبيل إطلاق القمر الصناعى إيجيبت سات 1، فإن 7 منهم فقط مازالوا يعملون فى مصر.
تحدثت مع أحد القيادات السابقة لبرنامج الفضاء المصرى، فقال لى بصراحة: «الجيش هو الذى أطلق القمر وهو الذى يديره.. ولا نعلم هل سيستخدم محطة الأقمار الصناعية بالقاهرة الجديدة، وكذلك محطة أسوان لذلك، أم أن لديه محطاته الخاصة»، وأشاد الرجل بمواصفات القمر الجديد مقارنة بالقمر الذى فقدناه قبل 4 سنوات تقريباً، ثم قال متأثراً: «هذا القمر فخر للجيش المصرى كله، فلماذا ينكره!».. فكرت فى كلام الرجل وفى غياب الشفافية حول القمر الجديد، وتذكرت المأساة المصرية مع القمر الذى فقدناه وعمليات الفساد التى كادت تعطل إطلاقه لولا تدخل رئيس الجمهورية فى حينها.. والإصرار على وأد حلم مصر فى الفضاء وقلبت فى أرشيفى لأعود إلى مقال كتبته يوم 4 نوفمبر 2010 بعنوان: «قمر «هلال».. وأقمار السعودية!» ، أى بعد أقل من أسبوعين من فقدان القمر المصرى، لأجد أكثر من جملة صالحة حتى الآن.. بل إن توقيت طرحها الآن أكثر مواءمة عن ذى قبل.. كتبت أن هناك معلومات حساسة حول عمليات فساد فى البرنامج، وأن د. هانى هلال، وزير البحث العلمى فى حينها، قد تعمد تعطيل المشروع، وأنه أقدم على منح الصاروخ الروسى الذى كان مخصصاً لإطلاق القمر المصرى من أوكرانيا إلى ألمانيا لولا تدخل سفراء وجهات سيادية، ونقلها الأمر بشكل عاجل للرئيس الأسبق حسنى مبارك.
المعلومات السابقة متاحة ومتداولة وأبطالها مستعدون للتحقيق من قبل أى جهة قضائية أو رقابية، والعجيب فى الأمر أن معظم القضايا التى تم فتحها بشفافية بعد الثورة لم يكن مشروع الفضاء المصرى ضمنها.. رغم خطورة الملف وارتباطه بالأمن القومى وبمستقبل البلد كله.
وطالما أن الأمور مازالت على حالها.. والمشروع الفضائى المصرى مازال معطلاً على اعتبار أن قمر الأربعاء الماضى من خارج المشروع، والقانون المنظم لاستخدامات الفضاء حبيس الأدراج حتى يأتى الرئيس الجديد، فإننى سأسرد معلومات جديدة حصلت عليها مؤخراً متعلقة بمحاولات وأد المشروع الفضائى فى مهده، رغم أنه بدأ بفكرة رائعة من رجل مخلص شهد الجميع له بالكفاءة النادرة.
فى نهاية الثمانينيات، فكر المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة فى أهمية دخول مصر عصر الفضاء.. والرجل كان مهتماً بأسلحة الردع والهجوم فى سنوات ظن كثير من المصريين أنها سنوات خنوع وخضوع وتطبيع.. والرجل كان يعمل على تطوير صناعة الصواريخ المصرية، التى انطلقت من مصانع عبدالناصر العسكرية ولكن بتكنولوجيا أمريكية، أما فيما يتعلق بالفضاء فقد استقرت النية بين المشير ومبارك على أن تتجه مصر شرقاً.. وتم اختيار الدكتور على صادق للإشراف على برنامج الفضاء، والرجل عمل فى المخابرات العامة لنحو ثلاثة عقود متصلة، وكان مشرفاً على التطوير الفنى، فوكيلاً أول للجهاز.. وبشكل مؤقت تم تكليف وزير البحث العلمى بالإشراف على برنامج الفضاء لحين صدور قانون خاص به. وبحسب قيادات فى البرنامج فإن الدكتور مفيد شهاب، الوزير المسؤول فى هذا الوقت، قدم الكثير فى هذا الشأن، وأنه صاحب فكرة استقلاليته، وأن لديه بالفعل مشروع قانون حول البرنامج.. ثم انهارت الأمور ووصل الإشراف على البرنامج للوزير هانى هلال فى فترة حساسة للغاية، والتى تم فيها التجهيز لإطلاق القمر إيجيبت سات 1 فى إبريل 2007. كانت هناك دول غربية تخشى من دخول مصر عصر الفضاء.. ورغم أن القمر الذى صنعته أوكرانيا كانت نسبة التمييز فيه 7.7 متر، أى أنه من المستحيل أن يستخدم كقمر تجسس أو لأهداف عسكرية محددة، فإن محاولات تعطيل الإطلاق تواصلت إلى أن وجد المتربصون ضالتهم فى الوزير هانى هلال.
وقبيل أسابيع معدودة من الإطلاق فوجئ رئيس مجلس إدارة البرنامج الفضائى المصرى الدكتور على صادق باتصالات متعاقبة من سفراء مصر فى روسيا وأوكرانيا وكازاخستان حول اعتزام مصر تسليم الصاروخ الروسى المخصص لإطلاق القمر إلى ألمانيا.. وأن القاهرة وافقت على تأجيل الإطلاق لحين صناعة صاروخ جديد.
اتصل صادق بالوزير هلال، فأخبره بأنه وافق على بيع الصاروخ للألمان.. وأن علينا تخزين القمر لبعض الوقت، فانفجر فيه صادق قائلاً: «هو شوال بطاطس؟!»، لكن هلال لم يعدل رأيه.. بالتوازى مع هذا الموضوع كان السفراء الثلاثة قد بعثوا برسائل مشفرة لوزير الخارجية أحمد أبوالغيط بخطورة الأمر، وأنهم يرون أن فى الأمر سوء نية وفخاً غربياً تقوده ألمانيا لتعطيل المشروع، وأن الوزير هلال غير مدرك خطورة الأمر.. فقامت السفيرة وفاء بسيم، مساعدة وزير الخارجية لشؤون مكتب الوزير فى ذلك الوقت، بنقل الأمر بشكل عاجل لأبوالغيط الذى كان فى جولة دبلوماسية فى الخارج، فقام وزير الخارجية بالاتصال بزميله وزير البحث العلمى، لكن الأخير فاجأه بالقول: «أنا قررت خلاص أنا وزير وانت وزير، وأنا حبيع الصاروخ».. فلجأ أبوالغيط وكذلك على صادق إلى مبارك الذى عطل الأمر تماماً!
ورغم أن هذه القصة مرت عليها سنوات فإنها تعطى تصوراً حول حجم المؤامرات فى هذا المجال، كما تعطى أهمية للشفافية حول إدارة المشروع.. الشفافية مطلوبة لبناء مستقبلنا بعيداً عن المتربصين والعملاء واللصوص!
http://www.almasryalyoum.com/news/details/202283