x

حسن عبد ربه المصري بريطانيا.. مواجهة حاسمة مع الإسلاميين المتشددين حسن عبد ربه المصري السبت 19-04-2014 21:51


تتفاعل بين جنبات المجتمع البريطانى هذه الأيام انعكاسات نتائج التحقيق الذى يجريه وزير التعليم البريطانى لكشف مساوئ هيمنة بعض عناصر الإسلاميين المتشددين على قطاع من المدارس الحكومية والخاصة فى عدد من المدن البريطانية ذات الغالبية السكانية المسلمة.. خاصة وأن العديد من المؤشرات التى حذرت منها بعض وسائل الإعلام منذ شهر سبتمبر الماضى بدأت تزعج الكثيرين ممن يحرصون على تنامى سياسة الانسجام بين مكونات المجتمع البريطانى، ويتابعون عن كثب نجاحات التطوير والتحديث التى بدأت فى ميدان التربية والتعليم منذ سنوات، ويبنون طموحات واسعة على تحقيق برامجها ودعمها بشكل تدريجى متواصل.

فى نفس الوقت تزايدت المخاوف الرسمية والشعبية فى أعقاب نشر صحيفة الجارديان (الأربعاء 16 الجارى) دراسة أكاديمية أعدها المركز الدولى لدراسات التطرف التابع للكلية الملكية بلندن حول استغلال الدعاة المسلمين المتشددين لوسائل التواصل الاجتماعى فى تجنيد المجاهدين، خلص فى نهايتها إلى أنهم «نجحوا بشكل غير مسبوق فى استغلال إمكانيات هذه الوسائل العالية فى تجنيد مئات من المسلمين البريطانيين والغربيين بصفة عامة للسفر إلى سوريا للجهاد فى صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة، التى تقاتل من أجل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد».

تعرض وزير التعليم مايكل جوف MICHAEL GOVE لنقد شديد فى الأسابيع الأخيرة، بسبب أزمة عشرات المدارس الإسلامية الخاصة والحكومية التى يديرها مجالس إدارات تتشكل من مسلمين متشددين، فى ضوء توالى كشف وسائل الإعلام عن العديد من الإجراءات «غير القانونية» التى ارتكبت على مستوى مدرسة «المدينة» التى تعد أول مدرسة خاصة إسلامية تأسست منذ بضع سنين فى حى ديربى (Derby) بمدينة بيرمنجهام (Birmingham)- على الشاطئ الغربى للجزيرة البريطانية- مما اضطره إلى تشكيل لجان مستقلة للتحقيق فى هذه المخالفات التى أكدتها منظمات المجتمع المدنى فى تلك المدينة، وفى غيرها من المدن البريطانية التى تقطنها غالبية من المسلمين.. خاصة بعد أن تعددت وتنوعت على مدى الستة أشهر الأخيرة الشكاوى التى أسهبت فى وصف النتائج السلبية التى أضحت تعانى منها عشرات المدارس فى مدينة بيرمنجهام، بالإضافة إلى مدينتى برادفورد (Bradford) ومانشستر (Manchester) بسبب القرارات غير القانونية التى اتخذتها مجالس إداراتها المدرسية التى «قفز إليها عدد من الإسلاميين المتشددين» بأساليب ملتوية.

من جانبنا نؤكد أن المتابعات الميدانية لمكتب وزير التعليم كانت الدافع الأكبر وراء تشكيل هذه اللجان، ضمن ما ألقاه الطرفان الإعلام من ناحية والمجتمع المدنى من ناحية أخرى من أضواء حول «خطط المتشددين الإسلاميين لتدمير سياسات تعليم وتربية الصغار المعتمدة من جانب الهيئات التعليمية المختصة، واستبدالها بنهج تعليمى يتعارض مع سياسات الدولة وخططها المستقبلية لبناء الصغار علمياً ونفسياً إلى جانب ترسيخ مناهج التقارب بين ثقافات المجتمع الذى يتشكل من أقليات متعددة ذات خلفيات متنوعة».

لذلك، كان التكليف الأول للجان التحقيق وتقصى الحقائق هو «التيقن من مدى التزام مجالس إدارات المدارس التى تتشكل من مسلمين متشددين بمناهج التعليم التى تضعها الوزارة، ومن التوازن المفترض بين الأحوال البيئية التى تحيط بكل منها وعلاقتها بطبيعة الحياة داخلها فى ضوء سياسات هذه المجالس».

بناء على هذا يجرى الآن التفتيش على 14 مدرسة حكومية وخاصة فى مدينة بيرمنهجام، على أن ينشر التقرير الخاص بها قبل نهاية الشهر الحالى.. وهذا يعنى أنه فى حالة ما إذا ثبت مخالفة مجالس إدارات أو مدراء بعض أو كل هذه المدارس للقواعد العامة التى تحكم سياسات التعليم فى بريطانيا- القائمة على التوازن بين البرامج من ناحية ومخططات الدمج الثقافى للطفل فى المجتمع من ناحية أخرى- ستقوم الجهات المختصة باستبدال المجالس والمدراء «بشخصيات أخرى يتم اختيارها بمعرفة الجهات الحكومية المختصة.

يأتى على رأس هذه المخالفات أمران على جانب كبير من الأهمية ركز عليهما الإعلام وكذا شكاوى المجتمع المدنى:

الأول.. تعمد تغيير المناهج التعليمية الأساسية وإحلال أخرى شديدة التزمت محلها بما يتعارض وأفكار المجتمع المستقرة والمتعارف عليها، وما ترتب على ذلك من إلغاء المشاركة أو الاحتفال ببعض المناسبات على المستويين القومى والمجتمعى.

الثانى.. إعفاء غير المسلمين والسيدات على وجه الخصوص من العمل فى تلك المدارس، والفصل بين البنات والصبيان داخل فصولها.

الجدير بالملاحظة هنا أن قرار تشكيل هذه اللجان المستقلة منحها الحق فى مد تحقيقاتها إلى مدارس أخرى تحمل نفس الملامح »المنهجية والإدارية المخالفة لما استقرت عليه السياسات العامة« إذا ما ثبت لديها وجود مثيل لها فى مدارس أخرى، خاصة بعد تزايد عدد التقارير التى بعثت بها منظمات المجتمع المدنى فى كل من برادفورد ومانشستر مشفوعة بعدد كبير من شكاوى عائلات وأولياء أمور مسلمين معتدلين، بالإضافة إلى المهتمين محلياً بشؤون التعليم فى تلك الأحياء السكنية.

ومن المتوقع أن تتضمن توصيات تلك اللجان ما يعتبره المجتمع البريطانى »مبادئ احتياطية« حتى لا يتكرر الخطأ بهدف تضييق المنافذ التى استطاع الإسلاميون المتشددون أن يقفزوا من خلالها إلى عضوية مجالس الإدارات بهدف:

1- قطع الطريق على استبدال السياسات العامة بمفاهيم فردية تسىء بشكل مباشر للتدابير الوقائية المرتبطة بالحفاظ على تجانس المجتمع ووحدته مع التنوع.

2- توسيع مدى الرقابة المجتمعية لأجل منع أى تعدٍ على حقوق المجتمع والفرد فى التمتع بالأجواء السلمية التى توفرها الدولة لتنشئة الصغار وفق مفاهيم الجماعة والمحبة والتواصل وتعدد الثقافات التى تحتضنها البيئة البريطانية القائمة على التنوع الإثنى والثقافى.

وإذا كان هناك من يرى أن هذه الأزمة يمكن معالجتها وتلافى ما يمكن أن تمثله من مخاطر مستقبلية، فإن مضاعفات تدفق المجاهدين الأوروبيين والبريطانيين على وجه الخصوص إلى ساحة القتال السورية يمثل بالنسبة للحكومة البريطانية والمجتمع المدنى »قنبلة شديدة الانفجار« لابد من محاصرتها وتفريغها مما تحمله من أدوات دمار، قبل أن يفكر أحدهم فى إشعال فتيلها بعد عودة مكوناتها إلى ديارهم الأصلية.

للحقيقة نقول إن الأقلام التنويرية ووسائل الإعلام الأوروبية والبريطانية بصفة خاصة بدأت منذ أكثر من عام ونصف العام فى التحذير من المخاطر التى يمثلها المجاهدون الذين سافروا للقتال إلى جانب المعارضة السورية عندما يعودون إلى بلادهم بعد انتهاء القتال، ويلفتون الانتباه إلى الأفكار الجهادية التى سيحملونها معهم وربما يعملون على بثها بين جنبات المجتمع.

برهنت الدراسة التى نشرها المركز الدولى للإرهاب على نجاح الدعاة الإسلاميين المتشددين غير المسبوق فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعية على اختلاف أنواعها، وكذا الهواتف الذكية وما تتضمنه من تقنيات مثل »أورانج وسكاى بى.. إلخ« فى نشر »أفكار الجهاد فى سبيل الله« لهدم الديكتاتوريات وتحطيم الأصنام الحاكمة للفوز بخيرى الدنيا والآخرة.

قالت الدراسة إن الغالبية العظمى من المجاهدين، الذين يتواجدون اليوم فى الداخل السورى أو على تخومه التركية «تعرضوا لعملية غسيل مخ» نُفذت عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى المسموعة والمرئية.. كما عرضت عليهم صور وأفلام وصفية لما سينالون من «مكافآت دنيوية وأخروية» الأمر الذى حفزهم على خوض التجربة.

الإشكالية الكبرى كما تراها الدراسة أن هؤلاء المجاهدين سيعودون إلى مجتمعاتهم بعد أن اكتسبوا خبرة واسعة فى كيفية العمل ضمن التشكيلات الجهادية، وتمرسوا على السمع والطاعة وعلى تنفيذ الأوامر دون أن يلتقوا مع قياداتهم الميدانية.. ومن ثم تتوقع أن يحافظوا على هذا النمط من التربية الجهادية، وبالتالى يصبحون جاهزين «على مدار الساعة» لتنفيذ ما يكلفون به من مهام «عن طريق وسائل التواصل الاجتماعية» دون الالتفات للأطر السلمية التى نشأوا وتربوا فيها، وهنا مكمن الخطر.

ويتهم الكثير من وسائل الإعلام الأجهزة الأمنية فى بريطانيا بأنها لم تكن على قدر المسؤولية عندما غضت الطرف عن بعض »النشاطات المجتمعية غير المستحبة" التى قام بها بعض المتشددين، مما منحهم فرصة القيام بغسل أدمغة بعض الشباب وفتحوا لهم طريق الانضمام إلى الجماعات الجهادية.. وتحملها مسؤولية من سوف يعود منهم لكى يشكل خلايا نائمة قادرة على التحول بسرعة لتنفيذ ما يصدر لها من تعليمات تخريبية عبر وسائل التواصل الاجتماعية التى تزداد انتشاراً كل ساعة.

* استشارى إعلامى مقيم فى بريطانيا

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية