x

«العقاد»صحفياً.. أستاذ العبقريات يكتب تحقيقاً مصوراً عن المتحف الزراعى

الخميس 10-04-2014 19:34 | كتب: شريف عبد المنعم |
العقاد يتحدث إلى التماثيل الشمعية العقاد يتحدث إلى التماثيل الشمعية تصوير : اخبار

«الأستاذ».. لقب ندر استباقه لأسماء الصحفيين من كاتبى الأخبار والتقارير والتحقيقات، بل حتى كتاب المقالات أياً كانت مكانة صاحبها، ولكن حين يقرر أحد عمالقة الأدب والفكر مثل عباس محمود العقاد أن يكتب تحقيقا صحفيا مصورا، فبالتأكيد الأمر سيكون مختلفا.

فى 4 يونيو 1948، نشرت مجلة المصور تحقيقا نادراً أجراه «العقاد»، وكان عنوانه «عشت فى متحف فؤاد الأول الزراعى»، ولم تجد المجلة حرجا قى أن تسبق اسم العقاد ككاتب للتحقيق بلقب الأستاذ، ولم لا فهو صاحب «العبقريات» الذى أبدع فى نظم الشعر ودافع عن اللغة العربية وقواعدها، كما كتب عن الجمال والحرية، والفلسفة والإيمان، وخاض معارك فكرية وأدبية أشهرها وأعنفها مع مصطفى صادق الرافعى حول إعجاز القرآن، ومع أمير الشعراء أحمد شوقى حول أسلوبه بل ومكانته أيضا، وأقلها توترا مع عميد الأدب العربى طه حسين، الذى بايع «العقاد» أميرا للشعراء بعد وفاة «شوقى»، رغم خلافهما.

كان لابد أن تكتب «المصور» مقدمة تهيئ القارئ لما كتبه الأستاذ، وقالت فيها: «هذه تجربة جديدة فى عالم الصحافة المصرية، فقد اتفق المصور مع الكاتب الكبير الأستاذ العقاد على أن يقوم بتحقيق صحفى (ريبورتاج) عن المتحف الزراعى بالدقى، فلم يتردد فى تلبية هذه الرغبة، وكانت النتيجة ما يراه القارئ على هذه الصفحات من خواطر شائقة وصور طريفة».

تلمس القراء منذ بداية الريبورتاج رصانة وبلاغة أسلوب الأستاذ العقاد، وهو يسرد ما يحتويه المتحف من مشاهد، بداية من تماثيل الشخصيات الشمعية التى حرص على التقاط الصور إلى جوارها كالعمدة جالسًا وتقف أمامه ضرتان تتخاصمان، وزجهما ينتظر الفصل فى المخاصمة، ثم الحديث عن بعض المعروضات كـ«حب العزيز» وزفته المعهودة بين الصبية فى موالد القاهرة والأرياف، ثم «الملوخية»، التى أرجع أصل تسميتها إلى كلمة «الملواكيا» ليس نسبة إلى الملوك، ولكن إلى لغة اليونان الأقدمين.

العقاد تحدث أيضا عن «سنابل القمح»، واستعان خاطره بقصة يوسف الصديق فى القرآن الكريم وطلبه من أهل مصر أن يتركوا القمح فى سنابله كى يتم حفظه طوال سبع سنوات.

ومن أبرز ما لفت انتباه العقاد فى المتحف الزراعى، أصداف القواقع ذات الفصوص اللامعة، قائلا إنها «كالجواهر فى أجياد الحسان أو خزائن المترفين، ولا ترى جوهرة مقتناة فى القصور أفاض الله عليها من جمال ألوان بعض ما تتحلى به هذه الخلائق الضعاف، والتى عنى باقتنائها من هو أقدر الناس على اقتناء الجواهر المنتقاة، وهو جلالة الفاروق حفظه الله، فهذه التحفة التى تطالعنا فى وسط البهو الحافل هى هدية من هداياه».

وحاول العقاد أن يترك لدى قارئ الريبورتاج انطباعا طريفاً عن شخصيته، ربما أراد بهذا الانطباع محو ما عُرف عنه من جدية خاصة فى المعارك الفكرية، فقد عمد إلى التصوير بجوار الشخصيات الشمعية القابعة فى المتحف، وأمد يده متناولا القهوة من إحدى الفلاحات وهو يقول «لا ينسى الفلاح واجب الضيافة ولو كان تمثالا فى متحف»، ثم اختتم التحقيق المصور قائلا: «لم نشأ أن نزور بيت الزراعة دون أن نؤدى فريضة الزيارة لصاحبه الأصيل.. فزرنا الفلاح وشربنا القهوة من يد الفلاحة وسلمنا على الفقيه، وجلسنا إلى العمدة واستطلعنا بختنا ثم ودعنا شاكرين.. وليس أولى من الفلاح بالشكر على كل خير ننعم به فى هذه الديار، وأجمل ما سررنا له فى الدار أن المقبلين عليها أفواج من جميع الطبقات.. يقبلون عليها لأنهم يطلبون المعرفة والاطلاع، وكثيرا ما سمعنا من قبل أن بعضا من القاصدين إلى المتاحف الأخرى يزورونها لفك السحر ونقض الطلاسم والاستشفاء من العقم، وغير ذلك من شكايات الجهل والخرافة.. علامة من علامات التقدم لا ريب فيها».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية