حتى لا ننسى فإننى أذكر القراء بأن الحديث عن أزمة انقطاع التيار الكهربائى ومحدودية مصادر الطاقة مُستمر منذ أكثر من عشر سنوات، بما فيها الفترتان الرئاسيتان الأخيرتان لحكم المخلوع مبارك وعصابته وحتى الآن، فالمسألة غير مُرتبطة باسم حاكم، كما يحب البعض أن يقارن باستسهال أو استهبال..المسألة مُرتبطة بنظم حكم متتالية أبعد ما تكون عن التفكير العلمى والرؤية المُستقبلية وتحديد الأولويات ولا تنظر إلا تحت قدميها، وهى النظم التى قادتنا إلى أن نكون دولة فاشلة بامتياز.
أذكر على سبيل المثال أننى كتبت مقالاً بتاريخ 30/8/2010 كان عنوانه «بأمثال هؤلاء المسؤولين ستزداد مصر ظلاماً» عرضت فيه لرأى أحد أصدقاء العمر هو د.يسرى أبوشادى، كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، قاله فى حديث مع صحيفة الأهرام المسائى وهو أن مصر ستشهد أزمة طاحنة قريبة فى الطاقة الكهربائية المطلوبة وأن الاعتماد على البترول والغاز فى تشغيل محطات توليد الكهرباء هو سياسة قصيرة النظر والمخزون منهما لا يكفى، كتبت هذا الكلام قبل خمسة شهور من قيام ثورة يناير المجيدة التى حلمنا أثناءها بعصر جديد يمحو آثار عقود الفساد والاستبداد والجهل والاستهتار بالمواطن.
للأسف استمرت الأحوال كما هى دون تغيير طوال فترة حكم المجلس العسكرى، ثم ازدادت الأمور سوءاً بوصول عصابة الإخوان الضالين للحكم والانشغال فقط بتمكين كوادرها محدودة الكفاءة والفكر من شتى المواقع القيادية فى الدولة حتى سقوطهم المدوى فى 30 يونيو، وإلى الآن لم يحدث تغير ملموس فى أسلوب إدارة الدولة وطريقة اختيار المسؤولين.
إننى لا أعرف شيئاً عن الأسس والمعايير التى اختار على أساسها المهندس محلب وزراءه، ولكنى فى غاية الاندهاش لاختياره وزير كهرباء هو بالأساس رجل أعمال وصاحب شركه شهيرة فى مجال الاستشارات والمقاولات والتوريدات الكهربائية، كانت ومازالت – وقد أصبحت الإدارة فيها لابنه – تنافس الشركة الكبرى إلى تساهم فيها الدولة بالنصيب الأكبر، فى مناقصات التصميمات والإشراف!
الرجل قال بصريح العبارة فى أهرام الجمعة الماضى إنه لم يعد أحداً بالقضاء على مشكلة انقطاع الكهرباء عند توليه المسؤولية، وأن هذه الأزمة (يمكن) أن تُحل فى منتصف 2018 وأنا هنا أسأل المهندس محلب فى أى شىء تحدثت مع الرجل وأنت تكلفه بحقيبة وزارة الكهرباء؟ وهل لا تعلم سيادتكم أن أى حديث عن مشروعات طموحة فى المستقبل لا معنى له فى وجود أزمة مُستحكمة فى الطاقة؟ لقد أفتى أحد مساعدى هذا الوزير الكبار بأن استعمال غلايات المياه لتحضير الشاى هو سبب مهم للأزمة وأن المسؤولية كلها تقع على عاتق المواطنين الذين يسرفون فى استخدام الكهرباء!
لا رد عندى على هذا الهُراء ولكنى أحيله لاقتراحات علماء أفاضل لديهم خطط على المدى الطويل والمتوسط وأخرى قصيرة للتغلب على المشكلة العاجلة بإجراءات لا تمس الغالبية من الناس الذين يعانون أشد المعاناة هذه الأيام، مثل إغلاق المولات الكبيرة والكافيهات فى التاسعة مساءً مثلا مما يوفر قدراً هائلاً من الكهرباء. لقد اختار المهندس محلب رجل الأعمال الذى أصبحت قضيته الأساسية الآن هى كم عدد الساعات التى سيقطع فيها النور عن المواطنين الضعفاء، وهل يتم الإعلان عنها مُسبقاً فيستعد اللصوص والمجرمون لتنفيذ عملياتهم تحت جنح الظلام، أم أنه يفضل مفاجأة المواطنين، جميع الاختيارات مفتوحة أمام وزير الكهرباء ورئيس وزرائه، ولكن اعلموا أن للشعب أيضاً اختياراته وأن للصبر حدوداً.